أرشيف

قراءة في بيان وزراء الطاقة لـ G20: اجتثاث فقر الطاقة مشروع سعودي

المصدر

ضمن الاستعدادات التي تجرى على مدار الساعة لانعقاد قمة العشرين في الرياض، أصدر وزراء الطاقة في المجموعة بيانهم الختامي، الذي يشكل أحد الروافد الهامة في مشروع البيان الختامي للقمة الافتراضية المقررة يومي 21 – 22 نوفمبر المقبل.
عقد الاجتماع بشكل افتراضي خلال الأسبوع الأخير من سبتمبر وأصدر بياناً من 19 بنداً و5 ملاحق، تصّدت لكل ما يتعلق بأمور الطاقة من قضايا تقليدية مثل أمن الطاقة وأهميته خلال الجائحة، إضافة إلى بعض القضايا التي استجدت وأصبحت تتصدر قائمة المناقشات في المؤتمرات ذات العلاقة مثل الاقتصاد الدائري، توفير الطاقة للجميع، اجتثاث فقر الطاقة، وهو قطب الرحى في هذا المقال.
ومن له دراية بهذه الموضوعات أو قضى شطراً من حياته المهنية في وزارة البترول يلاحظ أن بصمات الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة واضحة في بنود البيان، خاصة تلك التي تصدت لفقر الطاقة، وهو الموضوع الذي أبلى الأمير بلاءً حسناً في صياغته ووضعه في مكانة بارزة من بيان قمة ملوك ورؤساء أوبك الثالثة، التي استضافتها المملكة ـ نوفمبر 2007 ـ، والأمير بذلك يستحق كل الثناء الذي تضمنه البند الـ19 من بيان وزراء الطاقة.
عرّف البند الـ11 فقر الطاقة بأحد أهم مظاهره وهو وجود ما يقرب من 2.8 مليار نسمة في العالم لا زالوا يستخدمون الحطب والجلة (روث البهائم) للطبخ، مع ما يسببه ذلك من وفيات بين النساء والأطفال جراء استنشاق الهواء الفاسد، قدرتها منظمة الصحة العالمية بالملايين كل سنة، كما أن هناك ما يقرب من 800 مليون نسمة محرومون من الطاقة الكهربائية (البند 11، والفقرة الأولى من الملحق الثاني).
هذا تعريف فقر الطاقة، أما اجتثاث فقر الطاقة الذي أجادل دائماً بأنه مشروع سعودي فقد عالجه البيان في البنود 11، 12، 13 والملحق الثاني من الوثيقة.
هذا المشروع نفذته المملكة من خلال الصناديق التي تملكها أو تشارك بالنصيب الأكبر من رأسمالها، وحيث إنني شاهد عيان على هذا العمل النبيل من خلال وجودي على رأس واحدة من هذه المنظمات طيلة 15 عاماً، وهي صندوق أوبك للتنمية الدولية في فيينا، أو كما أشارت إليه قمة أوبك الثالثة باسمه المختصر أوفيد OFID وأفصل ما أجملت:
1ـ عام 2000 تبنت الأمم المتحدة أجندة تنموية قوامها ثمانية أهداف عرفت بأهداف الألفية عالجت كل أوجه الفقر ماعدا فقر الطاقة لسبب غير واضح لكنه دليل على القصور الفاضح عندما يتولى الأغنياء كتابة أجندة الفقراء.
2ـ سيطرت فكرة فقر الطاقة على أذهاننا في أوفيد وجاء الحل من الرياض في نوفمبر 2007 عندما استضافت المملكة قمة أوبك الثالثة، إذ قمنا بتنسيق وتوجيه من القائمين على إعداد الخطاب الافتتاحي للملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، والبيان الختامي للقمة بإعداد نبذة عن هذا الموضوع تبنته القمة في البند السادس من الفصل الثاني من البيان، عندما طلبت من صناديق التنمية وأوفيد تكييف برامجها بهدف تحقيق التنمية المستدامة، واجتثاث فقر الطاقة في الدول النامية بالتعاون مع قطاع الطاقة ومؤسسات التمويل الأخرى.
3ـ قررنا في أوفيد أن نعمل على تحويل الفصل الثاني وعلى الأخص البند 6 منه إلى خطة عمل، وبدأنا بتنظيم أول ندوة لمناقشة هذه القضية في أبوجا عاصمة نيجيريا في نهاية الأسبوع الأول من يونيو 2008، بمشاركة وحضور عدد من الجهات ذات العلاقة مثل البنك الدول وأوبك واليونيدو وبرامج الأمم المتحدة للإنماء، والبيئة. وشارك من قطاع الطاقة شركة أكسون وشيفرون وشلامبرجيه. خرجنا من تلك الندوة بنتيجة قد تكون معروفة سلفاً وهو أن السوق قد فشل في حل مشكلة فقر الطاقة في منطقة الصحراء الإفريقية، وأنه لا بد من تضافر الجهود الدولية للتصدي لها.
4ـ استخدمنا هذه الندوة وما صدر عنها من بحوث وأوراق لبدء حملة إعلامية حول فقر الطاقة وعلاقته المركزية بقضايا التنمية، من أشكال هذه الحملة إصدار ملصق حاز إعجاب خبراء الاتصال يتضمن أهداف الألفية الثامنة، ثم ينفرد بلون مختلف، الهدف التاسع المفقود The Ninth Missing goal وهو اجتثاث فقر الطاقة، وظهر هذا الوصف في البيان الصحفي لاجتماع وزراء منتجي الطاقة ومستهلكيها في كانكون في المكسيك مطلع 2010، كما لاقى قبولاً بين زملائنا في مؤسسات التنمية.
5ـ أواخر يونيو 2008 دب الذعر في السوق البترولية بسبب ارتفاع سعر الخام الأمريكي (وست تكساس) إلى 147 دولارا للبرميل، الأمر الذي حدا بالملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله إلى الدعوة إلى مؤتمر طارئ للمنتجين والمستهلكين في جدة، بحضور رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون ونائب رئيس الصين، ووزراء الدول الأعضاء في منتدى الطاقة الدولي. ألقى الملك خطاباً جامعاً مانعاً أطلق فيه مبادرته المعروفة بالطاقة للفقراء Energy For the Poor، وطلب في ختامها من مجلس وزراء أوفيد النظر في تخصيص مبلغ مليار دولار لهذا الغرض.
6ـ بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات بيننا في الإدارة وبين الوزراء قرر المجلس الوزاري في أوفيد وهو أعلى السلطات الاستجابة للتوجيه السامي ومنحنا مليار دولار، والشكر يعود للدكتور إبراهيم العساف – وزير المالية آنذاك، الذي كان له الدور الحاسم في تحقيق هذا الإنجاز الذي أطلقنا عليه في أوفيد اسم التغذية الرابعة، إشارة إلى مساهمات الدول الأعضاء الثلاث التي توقفت منذ الثمانينيات. كان القرار مثار إعجاب من يتابعون مسيرة أوفيد وقضية الطاقة للفقراء على وجه التحديد، إذاً إن الحصول على هذا المبلغ في حين أن إحدى الدول وهي إيران لم تسدد كل ما عليها من التزامات إلى أوفيد تعود إلى عهد إنشائه أمر يستحق التنويه.
7ـ سبتمبر 2011 نادى بان كي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة لأول مرة بشعار الطاقة للجميع، وذلك بعد أربع سنوات من ظهور هذا المطلب في بيان قمة الرياض 2007، وألف لذلك فريقاً لمساعدته في بلوغ هذا الهدف كنت أحد أعضائه، هذا الشعار الذي تبلور فيما بعد في شكل هدف مستقل من أهداف التنمية المستدامة الـ17 التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2015.
8ـ عام 2012 وقبيل انعقاد مؤتمر ريو دي جانيرو والمعروف باسم ريو 20:Rio Plus 20 وكنا ضمن المدعوين، ونظراً لما يصاحب مثل هذه المؤتمرات من صخب إعلامي أحد أشكاله توجيه أصابع الاتهام للدول الأعضاء في أوبك وعلى رأسها المملكة، فيما تعانيه ميزانيات الدول الفقيرة من خلل بسبب أسعار البترول، فقد تقدمنا في الإدارة إلى مجلس أوفيد الوزاري بمشروع إعلان تتعهد فيه دولنا بتخصيص مليار دولار لمكافحة فقر الطاقة، كما وردت في خطاب الملك عبدالله في جدة. وافق عليه الوزراء كما هو وأعلنته في ريو في اجتماع حضره بان كي مون، ثم في اجتماع آخر حضره عدد من رؤساء الوزارات والدول النامية والصناعية، ومن خلال ما ورد فيه من بنود تؤكد موقف دولنا من قضية فقر الطاقة واستعدادها للمساعدة في حلها أو التخفيف منها لم يجرؤ أحد على توجيه اللوم لدولنا بل على العكس تلقينا الثناء والشكر على هذا الموقف النبيل.
9ـ استمر أوفيد في تطبيق حملته نحو القضاء على فقر الطاقة بمباركة من مجلس الوزراء ومجلس المحافظين بل وأسرة أوفيد الذين آمنوا بهذه القضية العادلة التي صارت جزءاً من زادهم اليومي، وعزز ذلك صدور أهداف التنمية المستدامة الـ17 في سبتمبر 2015 من الأمم المتحدة، وأخذت الحملة مسارها في ثلاث شعب:
الأولى: الحملة الإعلامية والترويج لهدف القضاء على فقر الطاقة وذلك بإصدار النشرات وعقد الندوات، ومن ذلك ما قمنا به في وسائل الإعلام السعودية المقروءة والمرئية.
الثانية: تنفيذ المشاريع على الطبيعة في بعض الدول الفقيرة خاصة في إفريقيا لتوفير الطاقة الحديثة ودعم الابتكار وتحفيز الاستثمار من خلال نماذج استثمارية جديدة. وفوجئنا بأن بعض المشاريع الصغيرة لها آثار اجتماعية لم تخطر على بال أحد، ومن ذلك أن مشروع إنارة الطريق (29 كم) من مطار بانجول عاصمة جامبيا إلى وسط المدينة ساهم في تخفيض معدل الجريمة في المساء بنسبة 50 %.
الثالثة: التحالفات مع شركات الطاقة وخدماتها، ولهذا الغرض أسسنا منصة أسميناها منصة توفير الطاقة Energy Access Platform (EAP) انضوت تحت لوائها شركات كبرى مثل شل، توتال، أرامكو السعودية، شلامبرجيه، الشركة النمساوية للبترول، مؤتمر البترول العالمي. وهدف هذه المنصة هو تبادل المعلومات والمشاركة في تنفيذ مشاريع مبتكرة مثل مشروع غاز البترول السائل بين أوفيد وأرامكو في بعض المناطق الريفية النائية في الهند، ومشروع توفير الكهرباء في المناطق النائية في إفريقيا بين أوفيد وشل فاونديشن.
ونتيجة لكل ما سبق من جهود ارتفع نصيب مشاريع الطاقة في نشاط أوفيد من %19 قبل بدء الحملة إلى ما يناهز %30 تم تمويلها من القروض الميسرة ضمن برنامج الإقراض السنوي وبرنامج المنح، الذي يتضمن برنامجاً مستقلاً لمكافحة فقر الطاقة يعرض على مجلس المحافظين أربع مرات في السنة.
هذه قصة نجاح شاهدتها وشاركت في صنعها أثبتنا من خلالها أن الشعار النبيل يمكن أن يتحول إلى خطة عمل قابلة للتنفيذ إذا توفرت له الإرادة السياسية والفريق المؤمن برسالته والدعم المالي والحملة الإعلامية الهادفة.
إن ما ورد في الملحق الثاني من بيان وزراء الطاقة لدليل على ما تضمره وتظهره المملكة من نية صادقة لتحويل شعار الطاقة للفقراء إلى خطة مستمرة من أهدافها توفير مرافق الطبخ الحديثة النظيفة لما يقرب من 2.8 مليار نسمة في العالم النامي، بالتعاون مع مؤسسات التنمية المذكورة في الفقرة (3) من الملحق الثاني، ثم حمل الرسالة من السلف إلى الخلف أو من الرياض إلى روما في العام المقبل.
وفق الله خادم الحرمين وولي عهده الأمين وسمو وزير الطاقة (رأس الحربة) في بلوغ هذا الهدف النبيل، الذي يؤكد حرص هذه الدولة الكريمة على احترام كرامة الإنسان وتوفير العيش الكريم له أينما كان.
Next Page >

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here