تقارير

شروط حياة «العربية»

المصدر

عبد اللطيف الزبيدي

هل انعتقنا حقاً من النظرة التقليدية إلى تجديد حياة اللغة العربية؟ لا يبدو الأمر قد تحقق. حافظ إبراهيم لم يكن في إمكانه الإتيان بشيء غير ما ساد ويسود. قصيدته التائية في لغة الضاد، رائعة، إذا أخذها المرء كمتعة موسيقية. أما إذا جردناها من الوزن والقافية، وكتبناها نثراً كأفكار نفحصها، أدركنا عدم الدقة في تشخيص المشكلات.

لا جدال في عدم الدقة، نستطيع الاستدلال عليه بالقرينة المعاكسة. لا شك في أن سبب تخلّف اللغة ووجودها على هامش العصر في العلوم والمعارف والتقانة، إنما هو الإخفاق التنموي. التنمية الشاملة المتقدمة التي تؤدي إلى إنتاج العلوم، تؤدي قطعاً إلى انبثاق اللغة كنجم ساطع مشعٍّ، فإذا انعدمت التنمية صار محالاً أن تتوهج اللغة وتفرض وجودها بين اللغات ذات النفوذ العالمي. لا مجال للمقارنة بالإنجليزية التي تمدّها بأسباب الحياة، جامعات الولايات المتحدة وبريطانيا ومراكز البحث العلمي فيهما، إضافة إلى قدرة استيعاب جبّارة لكل ما يُنتج من علوم ومعارف بالإنجليزية، وغيرها على سطح الكوكب.

كلام شاعر النيل جميل في جرسه الموسيقي، ولكنه من حيث الوزن المنطقي والمحاججة والبرهنة، هو كغثاء السيل وهشيم البيادر. اسمع: «أيطربكم من جانب الغرب ناعبٌ.. ينادي بوأدي في ربيع حياتي؟». تخلف العرب هو الذي سيئد العربية التي ليست في ربيع حياتها على الإطلاق، إلا إذا كان هذا الربيع كالربيع «الخِربي». لم نسمع بشرقي أو غربي نادى بدفن لغتنا. واسمع: «أيهجرني قومي عفا الله عنهمُ .. إلى لغة لم تتصل برواةِ؟»؛ أي اتصال بالرواة؟ اليوم مئات المصطلحات العلمية والمعرفية والتقانية تولد يومياً، بينما المجامع العربية تترجم أو تعرّب عدداً يسيراً كل عام. يقولون: «الجري وراء النعام يفلق»، فما بالك بأن يصبح العرب صانعيها ومبتكريها ومنتجيها. خذ هذا البيت أيضاً حتى تدرك أن الحلول الصحيحة متعذرة حين يكون فهم المشكلة متعسراً: «إلى معشر الكتّاب والجمع حافلٌ .. بسطت رجائي بعد بسط شكاتي». شاعرنا، وهو من مفاخر شعرنا، تصوّر أن جرعات جديدة من البلاغة والبديع والمعاني، كفيلة بضخ أوكسجين جديد في شرايين لغتنا ورئتيها ودماغها.

لزوم ما يلزم: النتيجة الإيلامية: ببساطة، على بلاطة، إذا تعذرت التنمية الشاملة التي تنتج العلوم، فلا أمل في نهوض العربية. قلناها إن العربية هي العرب.

abuzzabaed@gmail.com

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here