أرشيف

حتي لا يملنا التاريخ

المصدر

في أي قضية حقوقية أو جنائية أو مهما تكن، تحتاج أنت أو محاميك إلى ما يثبت حقك، سواء أوراق تؤكد ذلك أو شهود، وجميع هذه الأدوات معرضة، ولو في بعض الأحيان، للشك، لأنها قد تزور، والشهود غير الصادقين عددهم في الليمون، والذين عندهم لي عنق الحقيقة أهون من شربة ماء وليس «بعسير».
ولكن هناك شاهد، خاصة لمن يعايشه أو أجيال تلي أجيالا، لا يمكن أن يكذب، ألا وهو التاريخ. نعم هو لا يتكلم إنما يضع بصمته علي الزمان والمكان، بل على الإنسان الذي يصنع الحدث، ولكن ستتعلق به آثاره، شاء من شاء وأبى من أبى.
التاريخ هو الوقت الماضي البعيد، والماضي القريب، والحاضر والمستقبل الذي سيصبح ماضيا، هو الأحداث، هو الكتب والصحف والرواة، وما تخزنه ذاكرة الشعوب.
التاريخ لا يرحم ولا يفرق بين الفقير والغني ولا ذي الجاه ولا من هو على قارعة الطريق، إنه حكم نزيه لا يبالي إلا بسرد الحقيقة. التاريخ هو معلم الشعوب، ومدرسة القادة والسادة والأدباء والعامة. لا يصدر الأحكام، ولكن يضع الأدلة الدامغة ويبلغها بحذافيرها، ويترك للناس الحكم فيما بعد.
ولكن هل اتعظ من كان في هذا القرن من عبر القرن الذي سبق وهكذا، حتي نصل إلى عامنا هذا؟. هل أخذ موعظة من يعيش في ثنايا هذه الأيام من كل ذلك التاريخ؟.
الإجابة طبعا كلا وألف كلا، ومن قال «التاريخ يعيد نفسه»، لا فض فوه ولا عاش شانؤوه، فها نحن نجد في كل عصر من يكررون الأخطاء والكوارث نفسها، كل منهم يظن أن من سبق لا يفقه شيئا، وأنه كان أبلها، ويزين له أنه الفاهم الأوحد.
لم يتعلم صدام من عارف ولا قاسم، ولم يتعلم القذافي من صدام، ولم يتعلم المالكي من كل ذلك، ولا الملالي يتعلمون، ولا الأسد ولا أردوغان.
لا أحد يتعلم من التاريخ، وكثير، وبالذات من رعاة الجمهوريات التي معظمها أخذت بليل وبالإكراه وبالضحك علي الذقون والشوارب أيضا، وأراهن أن كل هؤلاء في العالمين العربي والإفريقي وبعض دول أمريكا الجنوبية، لم يتعلموا، بل سيكونون
مادة لمن بعدهم الذين لن يتعظوا بمن سبقهم، وهكذا دواليك لن ينجح أحد. لقد خجل التاريخ، لأن بين دفتيه مثل هذه النماذج، ولكن في كل الأحوال هل اتعظنا نحن كأفراد مجتمع؟.
صحيح نحن غالبا لا نكتب تاريخ الأمم، لكن نكتب تاريخ المجتمع الذي مع الأسف هو تاريخ يعيد نفسه بالسلوك والأخطاء نفسها كأفراد أو ككل. الآباء يكررون الأخطاء كما فعل الأجداد، وكأنهم مع المثل المعروف «الآباء يأكلون الحصرم (العنب قبل النضج) والأبناء يضرسون».
التاريخ كان يتمني أن يكتب صفحات جديدة لمجتمعات وأمم لها نهج جديد راق ومتقدم، ولكن لقد مل هذا التاريخ من «كثر ما يعيد نفسه»، فهل رحمنا التاريخ؟ طبعا لا ولن.
Next Page >

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here