تقارير

تأخر العرب العلمي

المصدر

علي قباجه

كتب الشيخ عبد الله النديم، أحد أدباء مصر العظماء، في القرن التاسع عشر، دراسة بعنوان «بم تقدم الأوروبيون وتأخرنا والخلق واحد؟»، وتبعه الأمير شكيب أرسلان في أوائل القرن العشرين بمؤلف عنوانه: «لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟»، توالت الكتابات في تلك الحقبة الزمنية للبحث عن أسباب التخلف العملي لدى العرب، وتزامنت تساؤلات هؤلاء مع حقبة الاستعمار للمنطقة، وكانت معظم إجاباتهم تعيد أسباب الانتكاس إلى الاستعمار وسعيه الحثيث إلى إضعاف العرب والمسلمين، ولكن بعد مرور أكثر من مئة عام والعرب على حالهم إلا من رحم ربي. فلا بد من إعادة النظر في تفسيراتهم، وعدم إعادة كل عللنا وإلقائها على الآخرين. وهنا لسنا بصدد تبرئة الاستعمار، ولكن من الجيد الاعتراف أنه جزء من حالتنا المتردية وليس الكل، ولا بد من التوقف عن جعله شماعة لنلقي عليه كل فشل.

مؤخراً، أعلنت الهيئة المانحة لجوائز نوبل، عن فوز عدد من العلماء الذين أسهموا في اكتشاف علوم، وبناء نظريات، لها أهمية قصوى في تقدم البشرية وإفادتها، فالبريطاني روجر بنروز والألماني رينهارد غنزل والأمريكية أندريا غيز فازوا بجائزة نوبل الفيزياء لاكتشافاتهم حول «الثقوب السوداء»، ومنحت جائزة نوبل للكيمياء للفرنسية إيمانويل شاربانتييه والأمريكية جنيفر داودنا، وهما عالمتا وراثة «مقصات جزيئية» قادرة على تعديل الجينات البشرية. وهذه الجوائز معظمها توزع على علماء غربيين ليس للعرب نصيب فيها إلا القليل.

ليس دقيقاً ما يثار دائماً من أصحاب «نظرية المؤامرة» حول أن الجائزة مسيسة، بل إنها تكشف واقعاً مريراً تمر به أمتنا، فثمة فرق بين دول تبني جيوشاً من العلماء، وتصرف لأجلهم المليارات، بهدف الوصول إلى مراتب متقدمة في خدمة الإنسان، وبين دول تبني فقط جيوشاً عسكرية لقتل شعوبها، أو دعم ميليشيات لتقويض أمن جيرانها، كما يحدث في منطقتنا. فالاستعمار هنا لا وجود له، ولكن الحقيقة تكمن في طريقة إدارة بلادنا، فالعالم العربي يواجه أزمة أولويات كبيرة، فقد جنحت الكثير من أنظمته السياسية للجوء إلى محاربة كل فكر متقد، وكل عالم يطالب بتوفير بيئة خصبة لعلمه، لصالح ملء مخازن الأسلحة، لحماية المنظومة الفاسدة التي تصادر البلد بإمكانياته البشرية والمادية.

أرقام وإحصائيات كثيرة توضح حالة التردي العربي، الذي خلقته منظومات فاسدة أعلت لواء الجهل على العلم لمصالح ضيقة، فمكتب تسجيل براءات الاختراع الأمريكي منح أكثر من 5.7 مليون براءة اختراع منذ تأسيسه، ولو أن كل مليون من سكان العالم حصل على حصة متساوية من براءات الاختراع، لبلغت حصة العالم العربي أكثر من 250 ألفاً، بدلاً من العدد الفعلي الذي حصل عليه 3000 براءة فقط.

العرب يملكون العقول الفذة، فلهم إسهامات كبرى تشهد لهم في أوروبا وأمريكا، بل إنهم من الأوائل دوماً في التميز، والحكومات لها القدرة على استثمارها إذا توفرت الإرادة، كما فعلت الإمارات.. فهل يبدأ العرب نهضتهم أم سيبقون يمخرون في بحار التراجع؟

aliqabajah@gmail.com

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here