أرشيف

الشاعر في العالم

المصدر

آفات الشاعر كثيرة، منها في المجتمع ثلاث: الترهل، الفاقة، المطابقة.
بالترهل يغادر الشاعر الشحوب، تغلظ رقبته وتحمر عيناه من الجنس والأكل والخمر، تفارق الحساسية أصابعه وشفتيه، ينعس على الكتاب ويجفو ندوات الكفر، يطالع الصحف والمنشورات الرخيصة، يكتفي بالتصاريخ والعموميات، واجترار ما أبدعه في عزه، وإذا كتب الشعر كتبه في الغزل، وقلما نجح.
وبالفاقة يصاب الشاعر بالمرارة والحقد والقنوط، تعضه الحاجة فيذل، يرتزق بما يقتل الموهبة فيه، يفقد حرية الجسد.
يستحيل عليه السفر غالبا فيأسن حيث هو، إذا تزوج ركبته العائلة، وإذا لم يفعل فقد نعمتها، وقد تشحذ الفاقة الموهبة.
إلا أن الحرمان شيطان ذو قرون، وبالمطابقة – وأعني بها المسايرة والانقياد إلى الدارج المألوف – يفقد الشاعر روح الثورة والتمرد، بل يُغلب على أمره، فيطلب المكانة الاجتماعية والشهرة الفارغة، والنفوذ الذي إن عز الخلق والإبداع لا يوفره المال والزلفي والنفاق، وخسران الرأي المتفرد، ينصرف عن مصاحبة أمثاله إلى الانعقاد في حلقة لا يجمعه بها جامع الشعر والفكر، يستأجر بيتا «محترما» ويرهق جيبه بالإنفاق على الرياش والسيارة والثياب وليالي الأنس، وهو بذلك لا يفيد ولا يستفيد، بل كثيرا ما يتحول إلى ما يشبه القصر السائب المهجور.
فالترهل إذن والفاقة والمطابقة آفات ثلاث يكفي الشاعر إحداها ليذل، تلك حال الشاعر في المجتمع، فماذا عن حال المجتمع إزاء الشاعر؟
المجتمع يمقت الفذ والمتمرد والجريء، والشاعر الحق هو الفذ والمتمرد والجريء. فالعداوة بينهما أصيلة، وهي عداوة النقيضين اللذين يجب أن يتعايشا، الإنسان كائن اجتماعي، والشاعر في الوقت ذاته لااجتماعي، فهو ضد المتعارف عليه والمعتاد والمألوف، الشاعر يتمرد ويثور ولكن إلى أي حد؟، يبقى عليه أن يأكل ويشرب ويعاشر ويشارك، فلا وجود له خارج المجتمع، هذا البلية كيف ينقذ الشاعر نفسه منها؟ كيف يكون في العالم وفي خارجه معا؟ كيف يحفظ كرامته وموهبته وحصانته وحريته؟ كيف يصون نفسه فلا يفقدها ليربح العالم؟
لأفلاطون حل: ألا تغيب عنا ونحن في المجتمع حقيقة الأشياء، فننشدها ونهتدي بها وللمسيح الحل الحاسم: أن نؤدي ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
Next Page >

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here