ثقافة

مهرجان أفلام السعودية التاسع ماذا قدم؟

المصدر

دلف إلى المهرجان والتقى بإعلامية عربية كانت مدعوة كناقدة سينمائية، سألها: كيف كان مستوى الأفلام برأيك؟ قالت: “المهرجان رائع، لكن مالحقتش أشوف حاجة”. تذكر الطرفة التي لحقت بشركة التوظيف، حينما دخل الشاب إلى الشركة واستفهم: هل يوجد وظائف؟ قبل أن يجيبوه استقبلوه استقبالاً استثنائياً، وطلبوا منه التوجه إلى الدور الثاني، أما الموظفون في الدور الثاني فطلبوا منه الجلوس في الاستراحة وقدموا له مشروباً ساخناً، وبعد دقائق وجهوه للصعود إلى الدور الثالث، وموظفو الدور الثالث أكرموه وقدموا له كوب عصير، ثم وجهوه إلى مكتب المدير في الدور الرابع، صعد إلى المكتب واستقبله السكرتير بوجه طلق، وطلب منه التريث قليلاً، ثم بعد دقائق تم رش فوق رأسه شيئاً من الماء المعطر وقدم له “بخور العود” ثم سمح له بالدخول على المدير، كان المدير أكثر بشاشة من جميع الموظفين، وحينما عرض عليه طلب التوظيف، قال المدير: أهلاً وسهلاً، إن تكرمت توجه إلى الاستقبال الآن وسوف أوصيهم عليك. ذهب إلى الاستقبال، ودلوه إلى باب مخرج جانبي، كان يقف عنده رجل أمن، الذي قال له: لا يوجد وظائف حالياً، لكن ما رأيك في الإجراءات والتنظيم، أليس رائعاً؟!
هكذا مهرجان أفلام السعودية، إجراءات وتنظيم وبرامج في منتهى الروعة ويشكرون على صنيعهم ولا أحد ينكر ذلك، غير أن الحصيلة متواضعة. مستوى المعروض لا يزال ضعيفاً. والسبب لا أحد يشاهد “حاجة”، ولا أحد يقدم دراسة نقدية جادة لما هو معروض. أضف إلى ذلك أنه بمجرد أن يعرف الناقد شيئاً عن ملخص الفيلم يعزف عن مواصلة المشاهدة، لماذا؟ لأن أغلب العروض لم تأت بجديد، الغالبية تتحدث عن معاناة اقتصادية متكررة للمواطن وكأنه وصل فعلاً إلى حالة تتطلب معالجة، ثم عليه أن يجمع المال بأي طريقة كانت. أو علاقة حب عاطفية يبذل البطل فيها جهداً كبيراً ويضحي من أجل الوصول إلى رضى حبيبته. أو معاناة مرضية. أو هواجس تراود كاتب.. الخ. أفكار مكررة يستنكف عنها النقاد ويضطر لمشاهدتها الجمهور كيفما كانت.
انبجس من المهرجان، وليرتضي حال السينما يمم لمشاهدة فيلم عبر منصة تي في سينمائية، شاهد فيلم “ميمي” فيلم هندي، يحكي قصة؛ زوج وزوجة أمريكيين، لديهما مشكلة في الإنجاب، الزوجة متشوقة للأطفال، نصحها الأطباء بأن الحل الوحيد هو عملية “استئجار رحم” أي أخذ النطفة من الزوجين وزرعها في رحم امرأة أخرى، لكن أي امرأة سترضى بذلك دون تقديم إغراء مادي كبير. فأشاروا نحو الهند، حيث الفقر المدقع لدى بعض الأسر سيساعد في إيجاد امرأة مناسبة. عندما وصلا إلى الهند، تبادلا الحديث مع سائق الأجرة الذي استنكر الطلب غير أنه عندما سمع بمبلغ المكافأة دهش ووافق على المضي قدماً للبحث عن الفتاة المناسبة، بعد مشقة وجدوا فتاة تنطبق عليها المواصفات، بيد أن عليها أن تختفي عن والديها وذويها أثناء فترة الحمل كي لا ينكشف سرها. رغم الحرص تم اكتشاف سرها، وكانت المصارحة هنالك، وبدأت العقدة وفرضية الشك تأخذ مسارها، وداهمهم الغضب ثم أخذ الحوار والنقاش والتأويل الفلسفي يسري بين جميع الأطراف، الزوج والزوجة الأمريكيين، ووالدي الفتاة، والفتاة ذاتها، والسائق المنسق بينهم، وانضم إليهم بعض أفراد الحي. من يحق له في حضانة الطفل بعد الولادة؟، وحين يكبر؟، أو يصير شاباً؟، وصراخ، ونقمة على هذه الحداثة وأنانية المشاعر، ثم تسجيل نقطة نقد وتذمر كبرى من قبل المجتمع الهندي تجاه هذا التوجه، وأنها طريقة همجية حيث لا انصاف في حاضنة الجنين، وتساؤلات متعددة؛ من قبيل؛ كيف لها أن تتخلى ببساطة عمن سكن في أحشائها تسعة أشهر؟! وهل يقاس الأمر بالمال بغرض نفي الآخر؟! وهل لا اعتبارات للإنسانية؟! إذن من له الميزة العظيمة في هذا الكون؟ ولماذا – على حد قول المجتمع الهندي – ننساق إلى الهاوية ويضرب بالمشاعر والأحاسيس بعرض الحائط؟! فيطول النقاش والتأويل بين من له الأحقية في حضانة الطفل.
فيخلص الجمع على أن يتبنى الأمريكيين طفلاً من أحد دور الأيتام، ويظل هذا الطفل في حضانة من عاش في أحشائها، ولا يمنع من زيارته في أي وقت كان.
هكذا تكون الأفكار المنفتحة التجريبية في الأفلام، إنها تجعلنا أمام كينونة وظاهرة سينمائية، حيث تنسج الواقع بالتغيير أو بالتثبيت، وتكوين بصمة، وخلق مفاهيم في سلوك حياة البشر.
يوجد أفكار متعددة بتعدد مشارب الحياة، والمجتمعات بحاجة لمواجهة كثير من الأخطاء وكذلك الأزمات المتطفلة -على سبيل المثال- من سوالب فكر ما بعد الحداثة إلى فكر جديد وحيوي. في الواقع الأفلام الهندية لديها جراءة ومسئولية في معالجة كثير من الأفكار، ولا يمنع التماس شيء من هذه الجراءة الفياضة.

سعد ضيف

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here