تقارير

مصالحات بلا مضمون

المصدر

علي قباجه

مرة أخرى، وربما ليست الأخيرة، التي يتفق فيها الفلسطينيون على أن يتفقوا، بيد أن تحركهم الأخير؛ للم الشمل تحيط به الكثير من الشكوك؛ فالمعروف عن الأحزاب والسلطة الفلسطينية أنهم كلما دخلوا في أزمة، رفعوا الصوت عالياً في الحديث عن مصالحة من المفترض أن تترتب عليها انتخابات برلمانية ثم رئاسية؛ لكن من دون التوضيح على أي أرضية تستند أو حتى آليات إجرائهما. اتفاقهم الأخير الذي اكتملت فصوله في تركيا، حدد موعد ستة أشهر يتم خلالها تحديد موعد الانتخابات، على اعتبار أنه بإجرائها ستطوى 13 سنة من الانقسام المرير؛ لكن هل اللجوء إلى الصناديق هو الحل للخروج من عنق الزجاجة الذي دخل فيه الكل الفلسطيني؟

منذ الانقسام الذي بدأ في الظهور على السطح في منتصف 2007، قاد الفرقاء جولات ماراثونية عديدة من المحادثات الهادفة إلى طي الصفحة، ومروا في سبيل ذلك بمكة والقاهرة ثم بصنعاء وصولاً إلى الدوحة، هذه المحطات من التفاهمات؛ تُرجمت إلى اتفاقات يعلن عنها في كل مرة؛ لكن سرعان ما تكذبها الوقائع على الأرض، وتؤكد أنها مجرد حبر على ورق.

عشرات الاتفاقات لم تلقَ نجاحاً؛ بل إنها عمّقت الانقسام، وزادت التباعد مع انتهاء كل جولة، في ظل تباين جوهري بين الفريقين اللذين يجتمعان؛ لالتقاط الصور وهم يشبكون أيديهم أمام الكاميرات، وينادون بوحدة الصف عبر انتخابات، من دون التطرق الفعلي لحل القضايا العالقة. والانتخابات التي يروجون لها ليست الوصفة السحرية لحل الإشكاليات، فثمة الكثير من الملفات المعقدة؛ إذ كيف سيتم إجراؤها في ظل احتلال يسيطر على القدس والضفة، ويتحكم في كل صغيرة وكبيرة فيهما؟ وإن جرت فهل يتعهد كل طرف باحترام نتائجها والتسليم للطرف الآخر؟ ثم هل تم التطرق إلى آليات توحيد الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة، وبناء سلطة واحدة لا سلطتين، وحل مشكلتي الاعتقالات السياسية، والموظفين؟

من الواضح أن اجتماع الفصائل في تركيا، مؤخراً، ما هو إلا فرقعات إعلامية لم ترق حتى لمستوى الاجتماعات السابقة، فما حدث يعد حلقة من سلسلة طويلة من الاجتماعات التي تخفض حدة الأعراض من دون أن تشخص المرض وتعالجه؛ إذ إن الحديث عن توافق من دون وثيقة تحدد كيف يتم، وأسلوب تطبيقه، ما هو إلا ذر للرماد في العيون.

المصالحة مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، في ظل حالة التشتت والضياع التي تمر بها القضية الفلسطينية، فهي أولاً مطلب الشعب الذي يعاني الويلات؛ جرّاء التشرذم وتبعاته؛ حيث تعد الخطوة الأولى في طريق التحرر؛ لبناء دولة فلسطينية مكتملة السيادة، كما أنها مطلب عربي؛ إذ إن وحدة التمثيل؛ تسهم في رفع الصوت دولياً؛ للمطالبة بالحق الفلسطيني الأصيل.

توحيد الصف، يحتاج إلى إرادة حقيقية؛ تقدم المصلحة الجمعية على مصلحة الحزب والجماعة، بعيداً عن المجاملات أو المكايدات، حتى تعود إلى فلسطين مركزيتها عربياً وعالمياً، بعدما أسهمت الصراعات الداخلية في إفراغها من مضمونها، وإفقادها هيبتها.

aliqabajah@gmail.com

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here