أرشيف

لماذا طائفة البروتستانت تتيح الطلاق

المصدر

أثيرت شبهات، وقيلت مفتريات حول كون الطلاق جريمة في حق المرأة، لأنه جعل في يد الرجل، وطالب الجاهلون بحكمته ومصلحته بتحريمه أو تقييده إلخ، فنقول: إن الإسلام أعطى المرأة الحق في اختيار زوجها وأعطاها – كذلك – الخيار في البقاء معه أو فراقه عندما تسوء العشرة بينهما ويعز التوفيق وتتعسر المصالحة، ولهذا شرع الطلاق لمصلحة المرأة ومصلحة الرجل على السواء، فهو وإن جعل الطلاق في يد الرجل لأنه – كما أسلفنا – أبعد عن العاطفة والانفعال وأقدر على التحكم في نفسه أثناء الغضب والخصام، إلا أن المرأة تملك أن تطالبه بالطلاق أو المخالعة، كما تملك عند العقد أن تشترط عليه لنفسها ما شاءت: من السكن في بلدها أو عدم التزوج عليها بثانية، أو أن تكون عصمتها بيدها – أي تطلق نفسها منه حين تشاء – على ألا يكون الاشتراط مانعا لحق من حقوق الزوج المشروعة.
وقبل إيقاع الطلاق بين الزوجين شرع الإسلام التحكيم، باختيار حكم من أهلها وحكم من أهله لكي يحاولا الإصلاح بينهما، وذلك حرصا على بقاء الرابطة الزوجية وحماية الأولاد من التشرد، حتى إذا تعذر الصلح وتعسر الوفاق وظهر أن الفراق أصلح قرر الحكمان أو (القاضي) التفريق بينهما: «وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما».
إن الإسلام الذي أمر الزوج بإحسان معاشرة زوجته في مثل قوله عز وجل: «وعاشروهن بالمعروف»، وقوله أيضاً: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة»، وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيرا)، هو الإسلام نفسه الذي أمر بأن لا يضار الرجل امرأته، فيمسكها إيذاء لها وتعذيبا لإنسانيتها، وإهدارا لكرامتها، فقال تبارك وتعالى: «الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، وقال أيضا: «فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا»، وأوصى الرجل حتى في حالة كراهيته لزوجته بالصبر ووعده بالخير في قوله تبارك وتعالى: «فإن كرهتموهن، فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا».
الزواج والطلاق في الإسلام إنصاف للمرأة ولمصلحتها الشخصية وتحقيق لإنسانيتها وفطرتها، وتقرير لكرامتها على مستوى واحد مع الرجل، إذ هما مخلوقان من نفس واحدة تطلب الخير وتكره الشر وتلتمس السعادة والهناء في الزواج أو في الطلاق على سواء، ونذكر هنا بعض الأسباب والأحوال التي تجعل الطلاق في مصلحة الزوجين وإن كان أصلا أبغض الحلال إلى الله، كما يقول نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.
فقد يكون أحد الزوجين عقيما فيتأذى الآخر من حرمانه من الذرية التي هي كما يقول الله عز وجل وكما هو الواقع الملموس إحدى زينات الحياة ومباهجها: «المال والبنون زينة الحياة الدنيا».
وقد يكون أحدهما مريضا بعلة تحول دون الالتقاء الفطري بين الزوجين، أو يكون المرض معديا يخشى انتقاله إلى الآخر، وقد يغيب الزوج في سفر طويل، أو يحكم عليه بالسجن لعدة سنوات أو يمتنع – موسرا أو معسرا – عن الإنفاق لمدة طويلة، فمن حق الزوجة هنا أن تطلب الطلاق عن طريق القضاء لئلا تتضرر معيشيا وتتأذى نفسيا بسبب هذه الظروف.
وقد يجد أحد الزوجين في الآخر – بعد الزفاف – عيبا لا يمكن الصبر عليه أو يراه غير كفء له أو لا يعدل الزوج بين هذه الزوجة وزوجاته الأخريات، هذا بالإضافة إلى أهم هذه الحالات والظروف التي تجعل الطلاق أمراً مرغوبا فيه – وهي حالة الشقاق والنزاع بينهما الناتجة عن اختلاف طبائعهما وتباين أخلاقهما وإصرار كل منهما على رأيه وسلوكه مع الآخر.
ويلاحظ هنا: أن هذه الحالات والأسباب التي تجعل الطلاق -الذي هو أبغض الحلال إلى الله- حلا مرغوبا وعلاجا مطلوبا أمر واقع تتعرض له الحياة الزوجية في كل جيل، وفي كل بلد.
ولذلك كان ولا يزال تحريم الطلاق – عند طائفة الكاثوليك المسيحية أمراً شاقا ومصادما لطبائع الأشياء ومكلفا للناس ما هو فوق طاقتهم، فالكاثوليك يمنعون الطلاق مهما طرأ على حياة الزوجين من مصاعب ومتاعب، حتى ولو زنت الزوجة في بيت الزوجية، والحل الذي يلجأون إليه في هذه الحالة.. هو أن يفترق الزوجان جسديا ويعيش كل منهما منفردا عن الآخر، ويحرم على كل منهما أن يتزوج بغيره ولكن تبقى سبيل المصادقة والمعاشقة مفتوحة أمام كل منهما وهي سبيل الشيطان الرجيم.
أما طائفة البروتستانت فتتيح الطلاق بسبب الزنا أو تغيير الدين دون بقية الأسباب الطبيعية والمشروعة الأخرى التي حسب الإسلام حسابها وأحل من أجلها الطلاق تحقيقا لحرية الزوجين وسعادتهما وكرامتهما جميعا.
ولا أدل على عدالة موقف الإسلام تجاه مشروعية الطلاق وحكمة تشريعه له مراعاة لأسبابه وظروفه وضروراته من أن مجلس الشيوخ الإيطالي -على الرغم من معارضة الفاتيكان وهو السلطة الدينية المسيحية العليا- قد أقر مشروعا لإباحة الطلاق سنة 1970، نظرا لما لمس من آثار سيئة لتحريمه تتمثل في ترمل الزوجات وتعطلهن وتحللهن من ضوابط الشرف والخلق، كما تتمثل في قيام أسر وبيوت بلا دعائم من وفاق الزوجين ومسؤولية الوالدين واستقرار الذرية.
وفي بريطانيا وافق مجلس العموم البريطاني سنة 1969 على قانون يبيح للزوجين الطلاق بعد أن ينفصل أحدهما عن الآخر لمدة عامين إذا وافق الزوجان على الطلاق ولمدة خمسة أعوام إذا وافق أحدهما دون الآخر.
ويبيح القانون الروسي الطلاق لهما دون قيد أو شرط كما يذكر الأستاذ عبدالقادر عودة في كتاب (التشريع الجنائي الإسلامي)، وكذلك الشأن في بعض الولايات المتحدة الأمريكية، وهي ظاهرة تدل دلالة واضحة على أنهم ضاقوا ذرعا بل صدرا بتشريعاتهم الوضعية، فلجأوا إلى سماحة الشريعة الإسلامية وعدالتها وواقعيتها.
ومما ينبغي ملاحظته هنا في حديثنا الموجز عن الطلاق أن الشريعة الإسلامية انفردت بنظام المراجعة في الطلاق دون الشرائع الأخرى حرصا على إعادة الرباط الزوجي بين الزوجين، وحفاظا على الذرية من الضياع والتشرد واستصلاحا لما فسد بين الزوجين من مودة وسكن، ويعتبر الطلاق الرجعي في الإسلام – وهو المرة الأولى والثانية – فترة اختبار للزوجين وفرصة تأمل ومراجعة للأخطاء والزلات والندم والتوبة ثم العودة إلى بيت الزوجية وما يظلله من مودة ورحمة وسكن وذرية.
كما ينبغي أن نلاحظ أيضا: أن الإسلام جاء ليصحح وضعا خاطئا ويحفظ للمرأة كرامة كانت مضيعة على عهد الجاهلية الأولى، إذ كان العرب يطلقون دون حصر أو عدد، فكان الرجل يطلق ما شاء ثم يراجع امرأته قبل أن تنقضي عدتها ضررا لها حيث تظل معلقة بين طلاق ورجعة في نهاية العدة ثم طلاق في بداية الرجعة وهكذا، فنزل القرآن الكريم يضع لهذه الفوضى حدا ولهذا الظلم النازل بالنساء قيدا: «الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» وهو تأديب للرجال لتكريم المرأة يشبه التأديب القرآني للرجال أيضا عندما منعهم من إمساك النساء على كره وبغضاء وهوان وذلك في قوله عز وجل: «ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا».
Next Page >

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here