أرشيف

تمزق!

المصدر

تمام العاشرة والنصف مساءً، سامي يطفئ المصابيح، بعد أن أنهى إجراء حسابات المتجر وعد النقود ثلاث مرات ووضع الفواتير في الدرج.
الشارع مقفر يكسوه سواد الليل، سامي يغلق باب المتجر، يسحب المزلاج ويضع القفل، أخذ يهزه مرتين ليتأكد من الإغلاق، يستدير وينظر نظرة نحو الشارع الذي بدأ يخف من المارة ويغرق في السكون.
جاره في المتجر الملاصق أغلق متجره على الوقت، فيما سامي تأخر هذه الليلة لعدم تقييد حسابات الأمس، سوف يضطر إذن للسير على قدميه، أمامه الآن مسافة طويلة ليصل إلى نزله المتواضع، غير أنه سيختصر مسافة تبعد نصف ساعة مشياً على الأقدام.
الجميع غارق في النوم، المكان مظلم، إنارة متباعدة، البرد قارص، وسامي يسير، لا يسمع غير وقع خفَّيْه على الأسفلت المتعرج.
غير أنه لم يلبث أن سمع صوت قطتين تموءان مواءً طويلاً، تبدد هاتان القطتان هذا الصمت، يقترب ويصوب النظر نحوهما، فيبدأ العراك ويتأجج المكان بصوت مواء موحش، ليتفادى هذه الفوضى يخطر بباله أن يميل إليهما ويضرب بقدمه على الأرض، فيفترقا، فيعود مجدداً يسهو مع هذا الصمت ويأخذ نصيبه من السير.
يقبل سامي على تقاطع صغير وينحرف يساراً، كانت السيارات تصطف على جانب من الزقاق، وما كان للصمت أن يستمر، فأخذ يقطع هذا السكون صوت شيء من قبيل الأنين، يمشي سامي ويرتفع الصوت أكثر، يتقدم ويزداد أكثر، بعد أن أصغى تيقن أنه نحيب امرأة.
يتغير وجه سامي بسرعة ويطرق أذنه تجاه الصوت مذهولاً، أخذت عيناه تجحظان، لعل هذه المرأة بحاجة إليه، يحتمل لإسعاف، ربما مساعدة لأمر طارئ، يوسّع من مسافات خطواته تجاه الصوت، ينحرف إلى اليمين، يعلو الصوت أكثر، فيتساءل في صمت: يا ترى ماذا حلّ بهذه المرأة؟! هل هي حامل وستلد؟! يحتمل أنّ ضناها مريض؟! تصيح المرأة بصوت أعلى. يتوقف سامي وتزداد درجة الحيرة على وجهه.
يسود الصمت قليلاً، يفكر سامي أن يعود أدراجه، فيحرك قدمه إلى الخلف وهو في حالة اضطراب وهياج شديدين، اغتم أنه من المستحيل تركها هكذا وهي تستغيث، في ظل هذا الظرف من الصعب التكهن بأي شيء!
صراخ.. يعود الصوت مجدداً.. يحدق هنا ويحدق هناك ليتيقن من مصدره.. لم يعد يحتمل أكثر.
يزداد الصوت علوّاً.. يسير نحوه.
ماذا يرى؟!
يرفع رأسه فيرى نافذة فيها شبح كائن يشير إلى المكان، يلتفت سامي يساراً يرى بيتاً فوق بابه مصباح بضوء خافت، يشاهد في حدود الضوء رجلاً يتماسك مع امرأة ويشدها من شعرها. يتقدم سامي مندهشاً:
– رويدك!
ينظر في عيني الرجل، يشاهد عينين محمرتين يتطاير منهما الشرر، ويداه متصلبتان من الغضب. وينظر إلى المرأة فيعلم أنه إن لم يعترض هذا الرجل فسوف تلقى حتفها.
يهبّ لنجدتها، لكن الرجل يترك المرأة ويتجه إلى سامي، يقاومه، فيما المرأة تسير مترنحة.
هل يهرب وينجو بنفسه بعد أن أطلق الرجل سراح المرأة؟ كلا بالطبع.. الرجل تهتز شفتاه فينقض نحو سامي، أخذ يضرب ويركل، لم يعد سامي يحتمل، فيلكُم الرجلَ لكمة على عنقه تسقطه أرضاً، يتصلب سامي مكانه، ويظل الرجل ممدداً على الأرض، فيما سامي والمرأة ينظران إليه وهو ممدد دون حراك.
بعد وقت قصير يتقدم سامي وينحني نحوه، فيرى عينين جاحظتين، فيهزه سامي كي يستيقظ، لكنه كان يهز عبثاً، فيتبين سامي أن اللكمة أودت بحياته.
يلتفت سامي إلى المرأة بخوف: ماذا نفعل؟!
تصرخ: أيها الناس.. لقد قتل حبيبي هذا المجرم!

سعد أحمد ضيف الله – الدمام

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here