تنمية

بين ذكرى وحلم.. شيء من علم النفس

المصدر

بين ذكرى وحلم

الشيخ الكبير حينما يشرع بالكلام فإنه يتحدث عن الذكريات، عن الأمس، عن الماضي. يشعر أنه غريباً وفي غير محله عندما يتكلم عن الحاضر. مؤكد أنه ماثلاً هنا إنما ليس مرتبطاً بالـ “هنا”، يحاول بشتى الوسائل بناء مأوى وعلاقة غير أن كل شيء يفشل، فكره هناك وليس هنا، يود لو أنه يحمل سيارة العمر على ظهره ويمضي مهرولاً إلى الخلف دون الأمام. إنه مشروط بالقديم، فيحيا اعتماداً عليه، ومن أجله يضحى بنفسه كُرمَى له، هذا يعني أنه محكوم من قبل المقبرة، وأن حياته بالمجمل تعود إلى الوراء بصورة متواصلة، هذه السمة متوازية مع الحزن والانتحار البطيء لا العيش.
وبالتناقض تماماً عندما يعمد الفتى في الكلام، فهو يتحدث عن الأحلام، عن الغد، عن المستقبل، يشعر أن هذا الزمان ليس أوانه، وليس له ارتباطا مباشراً به، يتحرى أن يتفهم الكبار متطلباته غير أنهم يصدون، إنه يسابق “اللحظة” ويتجاوزها، فيتخوف من الخسارة، والفشل، والتعرض للأذى.
حالما يكون جل التفكير خارجاً عن الحاضر تنشأ المعاناة، وحلما يكون التفكير بعيداً عن الواقع يبقى الإنسان مشدوداً إلى غيره، إلى ماضٍ سحيق، أو مدفوعاً إلى مستقبلٍ مقلق.
الاكتئاب هو من صنيع الحزن والخوف معاً، الحزن ينبع من المآسي والقصص العابرة، والخوف يأتي من شيء قد يحدث وليس من شيء قد حدث.
هذه الثنائية هي التصنيف المستعصي الذي يسود لدى غالبية المرضى بالاكتئاب، التأرجح بين الاثنين في آن معاً، الحزن والخوف، حزن على ماضٍ وخوف من مستقبل، كشيخ يحزن على الماضي ويركن إليه، وفي الوقت عينه يخشى مما هو مقبل، من الموت الذي ينتظره خلف الباب، هذه هيئة اكتئاب. إن تم التخلص من أحدهما، تم الشفاء بقدر خمسين في المئة من الحالة.
طوراً تكون التعاسة مستشرية لدى البعض، وذلك لكثرة التفكير في الماضي. وأخرى يكون الخوف أكثر، عندما يتأتى القلق ودليله الانغماس في مصارعة التفكير في المستقبل، يكون أهون وأقل حدة إن لم يجتمعا بالطبع، إذ النمط يكون أصعب لو اجتمعا. إنما الأقل وطئة حينما تنشطر الحالة إلى النصف. هذا كله بسبب البعد عن الحاضر الآني واللحظة المباشرة.
لذا، عيش اللحظة هو الحياة، اللحظة هي كل شيء. الماضي يهمل، ينسى، لأنه مضى. والمستقبل لا يخيف لأنه لم يأت بعد.  عندئذ كل ما تبقى هو في هذه اللحظة الحالية.  فعندما تسحب نفسك بعض الشيء، من الماضي والمستقبل، من الحزن والخوف، لا يتبقى إلا اللحظة، “الآن”، وهو التفاعل اللحظي والحقيقي، ولا ضرورة ملحة لأي شيء آخر.
يحدونا الأمل أن نجابه الحياة بمزيد من الثقة، ونقضي على فتات الماضي الحزين وتكهنات المستقبل المقلق، عندئذ يكون في كل لحظة عذوبة، كقطرات ماء في شمس الصباح الباكر، كزهرة تتفتح في بستان. كل لحظة يستحسن أن تكون عذبة، شابة، حيوية، بريئة، وغير مقيدة بماضٍ ولا مضطربة بمستقبل.  

سعد أحمد ضيف الله

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here