أرشيف

العلاقة التعاقدية بدايتها مرفوضة ونتائجها مرغوبة

المصدر

من المبادئ الأساسية لمنظمة العمل الدولية، أن العمل ليس سِلعة، وهدفها ترسيخ التعاون الثلاثي بين العمال وأصحاب العمل والإدارة، والتأكيد على الحوار الاجتماعي. فالعمل هو ذلك الجهد، الذي يبذله العنصر البشري، من أجل تحويل مُختلف المواد الخام أو العمليات إلى مُنتجات أو خدمات، والأيدي العاملة هي المحرك الأساسي لهذه العملية، والحفاظ عليها وزيادة كفاءتها وقدراتها وتحفيزها، يتطلب وجود قوانين وتنظيمات تقودها إدارة الموارد البشرية، والتي وصلت إلى أعلى مستوياتها من التطور والارتقاء، بعد مسيرة طويلة وشاقة من المراحل الزمنية، التي مرت بها المجتمعات الإنسانية، بدءاً من مرحلة العبودية ونظام الرق، إلى مرحلة الطوائف المساعدة لأصحاب الحِرف، ثم إلى مرحلة حاجة الأفراد في البيئة المتغيرة في خمسينيات القرن الماضي، وظهور التشريعات والاهتمام بإدارة الأفراد، والحاجات الاجتماعية والأساسية لهم، وتطوير أساليب التعيين والاختيار، وأخيرا مرحلة نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادى والعشرين، وظهور فلسفة إدارة الجودة الشاملة، وبروز ظاهرة تمكين العاملين، والاهتمام بجودة حياتهم.
وتأتي مُبادرة تحسين العلاقة التعاقدية بين أصحاب العمل والمكفولين، والتي طُرحت مُؤخرا كإحدى مُبادرات برنامج التحول الوطني، لبناء سوق عمل جاذب، وتمكين وتنمية الكفاءات البشرية، وتطوير بيئة العمل كصدمة غير مُتوقعة، وتهديد لاختلال بيئة العمل والإنتاج، ورفع سقف الابتزاز، والحوار مع العاملين من خلال بنود العلاقة التعاقدية الجديدة من وجهة نظر أصحاب العمل، والتي تُتيح للوافدين حرية الانتقال إلى جهات عمل أخرى حسب بنود العقد، والخروج النهائي والعودة، وغيرها من الامتيازات التي جردت الكفلاء من حِماية ملكية الأيدي العاملة واحتكارها، بعد الجهد في اختيارها وتدريبها، والتي كانت تُعتبر أهم عناصر نجاح بيئة العمل واستقراره، وأن المخاوف التي يطرحونها تُؤكد لهم خطأ هذا التحول السريع، وأنها سوف تُخلخل من بيئة العمل بدلا من تطويره، وتجعل من سوق الأيدي العاملة والحاجة إليها، سوق مزايدات على الأجور والحوافز، أكثر منه على المهارة والإنتاج،وسوف ترفع من تكاليف التشغيل، والتي سوف يتحملها المنتج أو الخدمة، وسوف تنعكس سلبا على الاقتصاد الوطني.
وفي إزاء هذه النظرة المتشنجة حول العلاقة التعاقدية مع المكفولين، كما سابقتها من التحولات الأخيرة لثلث المجتمع السعودي، في إعطاء المرأة الحق في قيادة السيارة، ودخولها في سوق العمل، ومباشرة شؤونها بنفسها، وما رافقه من مخاوف وافتراضات اجتماعية، أنها سوف تُؤدي إلى حدوث المشكلات والوقوع في المحظورات، وأنه تحول كبير وسريع في بنية تمكين المرأة، وقد تجاوز المجتمع السعودي هذا التحول، وتبددت معه كل الأوهام السابقة، وها هي الخطوة تتجه نحو تحسين العلاقة التعاقدية مع ثلث سكان المملكة من الوافدين، والذين عاشوا في ظل قيود نظام الكفالة وأضاع عليهم الكثير من الفرص، واضطرهم إلى الهروب والعمل غير النظامي، والتستر في التشغيل وعدم الجودة في الأداء، والبعد عن تحمل المسؤولية، واستغلال الثغرات في العلاقة مع الكفلاء في الخلافات العمالية.
الحاجة اليوم إلى هذه المبادرة التعاقدية، هي حاجة إلى تمكين العاملين نحو جودة الأداء وحفظ حقوق طرفي التعاقد، وتخفيف المسؤولية المترتبة على أصحاب العمل أمام الأنظمة والاهتمام بجودة حياتهم، وإعطائهم المزيد من الحريات الشخصية في تقرير احتياجاتهم المعيشة والاختيارية، وأن العمل ليس سِلعة يمتلكها أصحاب العمل، وإنما هو علاقة تعاقدية تهدف إلى تحقيق التوازن، والتعاون المشترك بين العمال وأصحاب العمل، ومنظومة الحقوق والواجبات، والتأكيد على أهمية الحوار الاجتماعي والإنساني، الذي لا طبقية فيه، فالكل يُكمل الآخر، والمنفعة تعود على الجميع، فديننا الإسلامي الحنيف دين العقود والالتزام بها، وأن الانتقال من نظام الكفالة إلى علاقة التعاقد، قد تكون بدايتها مرفوضة، ولكن نتائجها مرغوبة.
Next Page >

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here