أرشيف

الدول بين معادلة الدفاع والتنمية

المصدر

الحسين الزاوي

ترتبط صعوبة العلاقات الدولية الراهنة وتعقيداتها المتعددة الأوجه، بمحاولة القوى الكبرى والدول الوطنية في مختلف أنحاء المعمورة، التوفيق بين برامجها الدفاعية من جهة، وبين أهدافها المتعلقة بتطوير البحث وتحقيق التنمية المستدامة من جهة أخرى. ويشكل هذا الخلل المتعلق بمحاولة التوفيق بينهما تحدياً كبيراً بالنسبة للأمنين الإقليمي والدولي، حيث نجد أن الأغلبية الساحقة من الدول تخصص الجزء الأكبر من مواردها المالية للقطاع العسكري على حساب متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبحث العلمي ومجال تطوير التكنولوجيات الحديثة، خاصة أن الإحصائيات العالمية تشير إلى أن الدول ترصد في مجملها أقل من 1% من ناتجها الوطني الخام للأبحاث المتعلقة بالتنمية.

كما يشير هذا التأرجح الحاصل في هذه المعادلة بين الدفاع والتنمية إلى صعوبة توجيه إرادة القوة بالنسبة للقوى العالمية التي باتت تعرف جيداً أن القوة العسكرية لم تعد كافية لتحقيق الانتصار على الخصوم في عالم أضحى يعتمد بشكل مطرد على التفوّق الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي، وعلى الثورة الرقمية المستندة على الذكاء الاصطناعي، خاصة أن سيادة الدول وأمنها أصبحا مهددين من قبل جيوش إلكترونية غير مرئية يصعب تحديد مواقعها أو فهم أهدافها الإستراتيجية؛ الأمر الذي يفرض على الدول والتكتلات الاقتصادية والسياسية الأخذ بشكل متوازن بأسباب القوتين العسكرية والتنموية لمواجهة تحديات المستقبل.

ويمكننا أن نؤكد،اعتماداً على الأرقام المتاحة، أنه باستثناء دول الاتحاد الأوروبي التي يتجاوز إنفاق دولها في مجال البحث والتنمية مستوى إنفاقها العسكري، فإن باقي الدول تتفوق ميزانياتها العسكرية على ميزانياتها المخصصة للبحث، حيث يتجاوز الإنفاق العسكري 3% من الناتج الوطني الخام في الولايات المتحدة وأوكرانيا وروسيا وأذربيجان وأرمينيا التي تصل فيها هذه النسبة إلى 4,9% بسبب ظروف الحرب. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن الهند التي يوجد لديها فارق كبير بين ميزانية الدفاع الضخمة التي تصل إلى 2,40%، وميزانية البحث المتواضعة التي لا تتجاوز 0,60%، وذلك على عكس جارتها الصين التي استطاعت أن تحقق توازناً بين طرفي معادلة الدفاع والتنمية. وتمثل آيسلندا استثناء لافتاً بالنسبة لدول العالم، بسبب تخصيصها كل ميزانيتها تقريباً للبحث والتنمية.

وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن الولايات المتحدة تتفوق على كل دول العالم، حيث إنها تعتبر الدولة الوحيدة التي ترصد في اللحظة نفسها ميزانيات ضخمة للدفاع والبحث في المجال التكنولوجي؛ إذ تفرض أمريكا نفسها بوصفها القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية الأولى في العالم، ولا تستطيع أية دولة مجاراتها، باستثناء الصين التي بدأت تعبّر عن طموحها في التحول إلى قوة متكاملة عسكرياً واقتصادياً بداية من سنة 1975.

أما روسيا الخصم التقليدي لواشنطن، فإن ميزانيتها المرصودة للبحث والتنمية مازالت متواضعة مقارنة بقوتها العسكرية؛ لذلك فقد لجأت منذ مطلع الألفية الجديدة إلى التحالف مع الصين من أجل تعويض الخلل الحاصل لديها بين طرفي المعادلة.

ويمكن القول إنه مع انتقال العالم من الحروب العسكرية والاقتصادية المباشرة نحو ما أصبح يُصطلح عليه بالذكاء الاقتصادي والتكنولوجي، فإن الجانب العسكري المرتبط بالحروب بمعناها التقليدي، أصبح يلعب دوراً مكملاً وداعماً لنشاط اقتصادي وتكنولوجي شديد القوة والضخامة، تلعب فيه المعلومة والمعرفة الدقيقة بالخصم، دوراً حاسماً في كسب رهان القوة.

وإضافة إلى كل ما تقدم، فإن الولايات المتحدة تستعمل سلاحاً غير متوفر لأية قوة أخرى في العالم، متعلقاً بارتباط الاقتصاد العالمي برمته بالدولار الأمريكي، الأمر الذي يسمح لها بالتحكم بشكل مباشر وغير مباشر في حركة التجارة العالمية، خاصة أنها ترفض التعامل مع الدول الأخرى في المجال التجاري بعملة أخرى غير الدولار، ولا توجد حتى الآن عملة قادرة على منافسة العملة الأمريكية على الرغم من الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لترويج ودعم عملته الموحدة. والملاحظة نفسها يمكن أن نسجلها بشأن محاولة دول «البريكس» التعامل في ما بينها خارج هيمنة الدولار، وهي المحاولة التي باءت بالفشل، لاسيما بعد عودة البرازيل إلى أحضان العملاق الأمريكي.

hzaoui63@yahoo.fr

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here