أرشيف

الحاج زينل ودور الفلاح

المصدر

كانت مدارس الفلاح تدفع في نهاية كل عام عددًا كبيرًا من المتخرجين من طلبتها الذين يحملون شهادة علمية محترمة، ينبثون في شتى ميادين الحياة العملية الحرة والوظائف الحكومية، مما ساعد على تكوين رأي مستنير ومجتمع صالح مثقف، ونهضة علمية مباركة، إلى أن بدأ العهد الذهبي العهد الذي تجلت فيه عبقرية عاهل الجزيرة المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز، حيث عرف للحاج محمد علي زينل جهده وقدره حق قدره، وأسس الحياة العلمية في المملكة العربية السعودية على أساس متين، وأمر جلالته بإرسال البعوث العلمية إلى شتى البلاد المتقدمة في الشرق والغرب؛ لا سيما مصر، فاكتظت معاهدها العليا بالطلبة السعوديين الذين أخذوا ينتهلون من مناهل العلوم والمعارف في شتى الفنون، وانقلب التيه إلى طريق معبد، وأضيئت على جوانبه مصابيح المعرفة، وبدأ المتعلمون من أهل البلاد يشغلون جميع الوظائف الحكومية الفنية والعلمية، ففيهم القضاة والأطباء والمهندسون، وكثيرون منهم رجحوا العمل في حقل التجارة والأعمال الحرة، وما زالت البعثات تتوافد في كل يوم من الأقطار السعودية إلى جميع ميادين العلم والمعرفة.
وكانت أول بعثة علمية هي البعثة التي أوفدها الحاج، محمد علي زينل، على حسابه الخاص إلى بومباي، وهي بعثة تألف أفرادها من نخبة من طلبة مدرستي فلاح مكة وجدة، وقد أسس لهم مدرسة خاصة في بومباي بالهند، حيث كان يقيم وقتًا أطول للإشراف على أعماله التجارية، وأحضر لهم أساتذة من خيرة الأساتذة في العلوم العربية والدينية، وأنفق على هذه البعثة بسخاء منقطع النظير، حتى إنه كان بعد جميع ما ينفق على تعليمهم يصرف لوالد كل طالب عشرة جنيهات ذهبية شهريًا، وهي الطريقة التي اتبعها منذ قيامه بنهضته الشاملة، ليقنع أولياء الطلبة بمساعدته على تعليم أبنائهم، ومقاومة الأفكار الرجعية والدعايات الخبيثة المغرضة التي ينشرها أعداؤه عن حركته المباركة.
ومن بين أفراد البعثة المربي الكبير الأستاذ السيد إسحاق عزوز، مدير مدرسة الفلاح بمكة وعضو مجلس الشورى ومن كبار العلماء، الذي كرس شبابه بل حياته، واقتبس من عزيمة مربيه ومرشده الحاج محمد علي زينل، ما مكنه من تدعيم مدرسة الفلاح بمكة، والمضي بها قدمًا إلى الأمام، ما قرت به عين الحاج محمد علي زينل، واطمأنت نفسه، إذ وجد أن مشروعه الموفق قد رسخ وتوطدت دعائمه، وأصبحت مؤسساته العلمية قادرة على تحقيق الأهداف التي رسمها له، وهي نشر العلوم الدينية والعربية ومحاربة الجهل والخرافات في بلد حمل لواء العلم والنور إلى العالم الإسلامي أجمع.
ومنذ أن انتقل الراحل العظيم جلالة الملك عبدالعزيز إلى رحمة الله، احتضن جلالة الملك سعود النهضة العلمية في مملكته بعناية منقطعة النظير، فعهد إلى أخيه سمو الأمير فهد بوزارة المعارف، والأمير فهد شخصية موهوبة واسعة الآفاق، وقد حقق رغبة عاهل الجزيرة العظيم الملك سعود برسم الخطط لتأسيس معاهد علمية تضاهي أعظم المؤسسات العلمية في البلاد الشقيقة، حتى يتمكن الطلبة السعوديون من الحصول على درجات علمية شاملة في المملكة العربية السعودية.
أما الحاج محمد علي زينل فلعله كان يحرص على ألا يكتب عنه كاتب أو يثني عليه؛ لأنه يشعر بأنه أدى رسالة يرجو بها رضاء الله وضميره، وإني أحد أفراد بعثته إلى بومباي، وواحد من الألوف الذين غمرهم بإحسانه، وأؤكد أنني لم أكتب شيئًا؛ لأن التاريخ سيكتب باستيفاء أدق وأشمل خيرًا مما كتبت، لأنه كفاح شخصية موهوبة في وجه الطغيان والجهل والرجعية، وإني أكرر شكري للزميل الأستاذ طاهر زمخشري، الذي أتاح لي فرصة تقديم هذه اللمحة العاجلة عن شخصية تاريخية فذة ستمجدها الأجيال، ويكتب التاريخ صفحات كفاحها بمداد من نور فحسب، وإنما عن والد الجميع، والقدوة الصالحة للرجال العاملين، زاده الله توفيقًا وحياه ورعاه في ظل الجالس على العرش الملك سعود المفدى.
1954*
*كاتب ووزير سعودي أسبق «-1910 2012»
Next Page >

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here