ثقافة

الإنسان والعمران واللسان: رسالة في تدهور الأنساق في المدينة العربية

المصدر

الكتاب: الإنسان والعمران واللسان: رسالة في تدهور الأنساق في المدينة العربية
المؤلف: إدريس مقبول
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2020

يتألف هذا الكتاب (224 صفحة بالقطع الوسط، موثقاً ومفهرساً) من قسمين يضمَّان سبعة فصول. في القسم الأول، (من سيميولوجيا التدفق إلى سوسيولوجيا العزلة)، أربعة فصول.
وأما في الفصل الأول، (المدينة وتدفق العلامات)، فالتدفق هنا مفهوم رقمي ينتمي إلى عالم الاتصالات، لكنه يتسع ليشمل جميع الديناميات المتجهة من تدفق المال، أو كما رسم الغيطاني إحساسه الداخلي بالدينامية المتدفقة في فضاء مدينة نيويورك: (تدفق البشر في الشوارع كثيف، كلهم مسرعون، رغم أنهم جمع فإنهم فرادى).
وأما في الفصل الثاني، (هوية الفضاء ودينامية الرمز)، أنه كان للمدينة العربية في التاريخ الوسيط طابع عمراني وهوية عمرانية يعكسان فلسفة الوجود والإنسان ورؤيتها النسبية المنسجمة لقيم الجمال والآخر والأخلاق، ولتنظيم مركَّب لقطاعات الاقتصاد والتجارة والصناعة والفلاحة وغيرها، إضافة إلى انسجام ذلك مع مناخ الجغرافيا العربية الذي كان ملهماً لكثير من الإبداعات الهندسية.
وأما في الفصل الثالث، (آلة المشاعر السوداء)، أي المدينة العربية الحديثة تصنع المتناقضات السخيفة، بل إنها تستفيد منها وتتغذى عليها، فوراء كل الأوضاع المختلة وغير الطبيعية أكداس من مشاعر الغضب والحقد على النازحين، إنهم سبب كل آلام المدينة وفاقتها. وتسري هذه المشاعر الهوجاء والسوداء في شرايين المدينة، تلاحق ضحاياها في جميع الهوامش والأطراف وعند الملتقيات كلها، تُسَبِّبُ جروحاً غائرة وتمحو بقايا الشعور بالانتماء إلى المكان.
وأما في الفصل الرابع، (إنسان معزول وسط الزحام)، أنّ المدينة مجال للتعايش الثقافي، وهي في قلب ذلك نُظم من الإدارة والتفكير والمواقف والقيم، أو هي نمط حياة خاص قبل أن تكون جغرافيا مملوءة أو ديموغرافيا حية.
يشتمل القسم الثاني، (من علم نفس العمران إلى الاقتصاد السياسي للسان)، على ثلاثة فصول. ويشير المؤلف في الفصل الخامس، (انسدادات وتحولات)، إلى أن الدراسات والبحوث التي اهتمت بسوسيولوجيا الجيرة في المدينة وتأثيراتها وتأثراتها تفيد أن منطق الحاجة والتعارف هو الذي يحكم علاقات الجوار في الفضاءات التقليدية، ولهذا تكون قيمة الجوار أكثر وظيفية ووضوحاً في الفضاءات الشعبية، حيث يحتاج الناس بعضهم إلى بعض.
وأما في الفصل السادس، (أطر السيطرة الرمزية وهوامش المقاومة الصاعدة)، إلى أن في المدينة العربية الحديثة يمكن أن نكتشف من دون عناء أن وضعية التفوق اللغوي للألسنة الأجنبية (وهو من أعراض مرض التمدن) واضحة بكل تأكيد، باعتبارها نتيجة التردي والتراجع اللذين تعرفهما اللغة الوطنية والقومية في الواقعين الوظيفي والمعيش، وهو في الواقع تخريب أصاب الجهاز العصبي ونتجت منه تمثلات مُشوَّهة عن الذات والعالم.
يردُّ المؤلف في الفصل السابع، (تراجيديات العنف الحضري والتلوث السائل)، جزءاً من التلوث البصري إلى أسباب معرفية قبل أن تكون ذوقية، فالتلوث المعماري المنتشر، والمعمم اليوم، ما هو إلا نتيجة لما يسمّيه رفعت الجادرجي (الإقحام الشكلي الفاسد)، وهو عنوان تردّي ثقافة العمران في المجتمع بأسره، فمن بين أهم أسباب انتشار هذا التلوث، جهل المؤدين المصنعين والمصممين والمتلقين العلاقة الجدلية البنيوية بين المادة والشكليات المتوافقة مع خصائصها، جهلاً معرفياً وحدسياً.
وفي خاتمة بعنوان (استعادة الأمل)، يصل إلى أن الأنساق العمرانية هي أنساق سيميائية ذات بُعد ثقافي بالدرجة الأولى، أي إنها تحيل إلى الإنسان وثقافته في أخص خصوصياته، وهي حين تنتقل من دون وعي من سياق حضاري إلى آخر توزع استبدادها وقهرها على الذين انساقوا في لحظة انزلاق حضاري إلى ومضة علامة يجهلون عواقب تبنيها.

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here