ثقافة

الإسلام السياسي يُناور للعودة من نافذة الأدب

المصدر

لم يؤمن الإسلام السياسي بالآداب والفنون، وعدها من أسباب انحلال المجتمعات، عدا ما يقوم على الأدلجة، ولم يبدع في أجناس الأدب والفن، ومنها الموسيقى، والغناء، والسينما، والرسم، والنحت، والتصوير، والأزياء، والمسرح.. بل وظّف الشعر والرواية لصالح الشعارات السياسية القائمة على الخطابة والإنشاء واللغة المباشرة المُفتقرة للخيال.

وترتبط (الثقافة) عند الإسلاموية بالحنين للماضي والتعلق بفانتازيا التاريخ المحاط بهالة من القداسة.

وبرغم كل جهود الدول العربية في إخماد فتنة الخطاب المؤدلج إلا أن مناورة المنتمين والمتعاطفين مع الخطابات الصحوية مستمرة في سبيل غزو المجتمع عبر الأدب والفن، مُظهرين التسليم بالواقع، ومستغلين ما يُتاح من نوافذ يُشرّعها محسنو الظن لجماعات كفرت بالدولة الوطنية وأنكرت شرعيتها، لأسلمة الحياة مجدداً.

ويتساءل الكاتب عبدالواحد اليحيائي: ما الأدب الإسلامي؟ ويجيب: إن كان المقصود الأدب الذي ينشئ في أنفسنا قيمة فاضلة إثر قراءته أو سماعه سواء في ذلك ما كتبه شكسبير أو قاله المتنبي أو أوحي إلى هوميروس وغوته ، فهذا الأدب بهذا المعنى مطلوب في كل زمان ومكان؛ لأنه محفز للخير والحق والجمال. مشيراً إلى أن هناك معنى آخر ربما يقصده بعضهم حين يزينون أفكارهم بالآيات الكريمة والأحاديث النبوية والموعظة الحسنة بهدف ترغيب الناس في الخير وترهيبهم من عواقب الشرور والذنوب والآثام وهو دور يقوم به المصلحون والوعاظ في خطبهم وأحاديثهم بغية نشر الخير والحض عليه، وعدّه مقبولاً بل قد يكون مطلوباً إلا أنه شيء غير الأدب بمعناه الفني المعاصر. لافتاً إلى فكر التآمر والتحريض ونشر الأكاذيب والشائعات والفتن باسم الدين أو الأدب الإسلامي أو سمه ما شئت والدين والأدب براء منه. ولا يستبعد عودة الغثاء الأخير إلى الساحة باسم الأدب الإسلامي، في زمن أتيحت فيه حرية التفكير والتعبير، إلا إذا فهمنا وأفهمنا من حولنا أن الحرية هي المسؤولية وتحمّل تبعات ما نكتبه ونقوله سواء أسميناه أدباً أو فناً أو ثقافة فإن الفوضى التي تلبس لبوس الحرية ستنكشف، والفتنة التي تتحدث عن الإصلاح بالفكر أو الحركة ستقمع بالفكر والنظام، مؤكداً أن الجهل الذي يسعى للانتشار بلا تحمل المسؤولية والتبعات سيفضح نفسه قبل أن يفضحه المجتمع الواعي والمفكر. ودعا لتفعيل الفكر القادر على صد كل التيارات المتطرفة من كل اتجاه وتقويته ثقافياً وتدريبه فكرياً هو بعض المطلوب في المرحلة المقبلة، وهو المأمول.

وترى الشاعرة السورية سميا صالح أن الأساليب الدعوية للأسلمة السياسية ما زالت قائمة.. وقوية.. وملحاحة.. إلا أنها محاصرة في زاوية ضيقة، وليست محببة بسبب الفشل الذريع لتطبيقات الاسلامويين الذين استلموا السلطة من كل الأطراف، وعزت لشيوع دعوات الحرية بأوسع مظاهرها ورغبة العوام في التحلل من كل القيود والكوابح التي تفرضها الحاكميات المركبة، إمكانية عودتها، إلا أن إحساس المجتمعات بالاختناق سيقود للتمرد على كل ما يعيق أو يقيّد حركة الإنسان، ولن تتنازل عن فرصتها في الحياة، ودعت لعدم القلق من كثرة المنشورات الإسلاموية شعراً أو خطابة أو سرداً كون تأثيرها محدوداً جدّاً.

فيما ذهب الشاعر اليمني محيي الدين جرمة إلى أن الأصولية بها شمول لأبعاد كثيرة، ومتعددة، تأتي باعتبارها حالة ثقافية تتلبس الوعي للأفراد غالباً، من مختلف الفئات والنخب، على السواء والسوء معاً، لافتاً إلى أنه في أحوال كهذه تتفاوت نسب السقوط في فخ التزمت، والأصوليات السياسية، والثقافية والاقتصادية، وغير ذلك، ويراها تفسيراً شاذاً ورؤية إلى الأشياء من منظور ضيق، وربما يضيق بالتدريج ليتسع ويستشري حد التطرف. مشيراً إلى ما أدت إليه الأصولية السياسية من أوضاع خطيرة من الصراعات والحروب، وتخريب قيم المجتمعات والأفراد، إذ بلغ تأثيرها إلى مدى أوسع خارج نطاق جغرافيتها التي انطلقت منها لتخمد أخيراً في معقل انطلاقها، برؤيات سليمة للتعافي. وتساءل إلى أي مدى يمكن للأدب وحقل الكتابة والإبداع، وبصورة عامة للمشهد الثقافي العربي في العموم أن ينأى عن تأثير النزوح الفارط للسلفيات الشعرية والنقدية والثقافية، وهل يمكن أن يؤسس خيار الكتابة الجديدة وموقف النقد لمنحى مختلف لا يسمح فضاء تجريبه الواعي بتسرب قطران الأصولية السياسية مرة أخرى إلى مفاصل الأدب والثقافة وحقول اشتغالها؟ ويجيب: في تصوري أن الحداثة الثانية أو المتأخرة والمتمثلة في دهشة الانفتاح الشامل ثقافياً على أبعاد شتى من شأنه أن يخفف ويفلتر حالة الكبت المجتمعي التي تراكمت على مدى عقود، ويبقي على ردة فعل متوازنة، وحذرة معاً، وفقاً لما تراه وتتكيف معه من رؤى وموازين سياسية جديدة، تمتاز بإيقاعات ضابطة ومواكبة للحداثات وما بعدها في العالم اليوم، دون تقديم تنازل على حساب التعايشات القادمة، والتنوع الثقافي، والانفتاح على مفردات الهويات المتعددة للآخر، أكان هذا الآخر الفرد في الداخل، أو الآخر القريب والبعيد، والمجاور أو المتجاور في الخطاب الواحد المتعدد.

فيما قالت الكاتبة المصرية أمل حجاج عبداللاه، تعوّد ما يسمي بأعضاء الإسلام السياسي إثر كل صراع مع السلطة على تجميد نشاطاتهم لفترة زمنية والانتظار إلى أن تتسنى له الفرصة والعودة من خلال أول منفذ يتاح لهم، وعدة القوة الناعمة المتنفس الوحيد الذي يتسلل من خلاله لينشر فكره وثقافته ويتوارى خلف أي قميص سياسي يساري كان أو معارضاً مخفياً أنيابه الحادة وراء غطاء الثقافة وحرية التعبير فيما غايته الأولى اللعبة السياسية.

وترى أن التنظيم يبرع بطبعه في حشد أكبر عدد من مؤيديهم وزرعهم في نوادي الأدب أو انتخابات المؤتمرات والأقاليم شأن خلايا سرطانية نائمة إلى أن تكسب قوة من جديد وتنفرد بالمشهد الأدبي وتتغول وتؤكد خطورتهم بسبب المناورة والالتفاف والانضواء تحت عباءات اليسار الذي يكفل الحرية لكل صاحب رآي، إلا أن الدولة تدرك حجم حضورهم وتقدر على التحجيم، ودعت لتذكر تاريخهم الطويل مع الزحف من خلال الأدب وإن لم يعلنوها،لافتةً إلى أي مشروع أدبي لا بد أن يكون خالصاً للأبداع بعيداً عن أطماع الإسلام السياسي. وأضافت: على المدى القريب لا خوف منه، إلا أنه لا بد من الوقوف بقوة والتيقظ لهذه القوى التي تشبه الحرباء، مبديةً تخوفها على الجيل الذي لم يقرأ التاريخ جيداً ويتورط باللهاث وراء عقد الصفقات.

الأدب بين الأنسنة والتسييس

يرى الكاتب لطفي نعمان أن الأدب نافذة مفتوحة لكثير من التيارات التي جُربت بعدما جربت اكتساب الجمهور في مجالات أخرى. ثم انكشفت حقيقتها للغالبية العظمى. وعدّ دخول الجماعات «الديناسية: الدينية السياسية» من نافذة الأدب يضع خلفيتها ككل الجماعات السياسية موضع نقد وتشريح وتفكيك، ما يبيّن خطأهم من صوابهم. ويميز بين أنسنة إبداعهم وتسييسه. وتساءل: هل تلقى هذه الحالة «الديناسية» رواجاً وقبولاً؟ ما من شك أن لها جمهورها، دون إلمام بحجم هذا الجمهور وما مقدار التفاعل معه، وماذا سيقدم، وماذا سيشرح، مظلومية، أم إنجازاً، تاريخاً أو سياسة. وهل سينفُذ بهدف تحفيز الإبداع أو الإقناع؟ وهل استنفدت طاقته أم ليس بعد؟ وهل سيحكي اللحظة أم ما قبل اللحظة؟ وهل سيضيف شيئاً أم سيضيع وقتا؟ وذهب إلى أن وعي الجمهور هو الفلتر أو المصفاة لكل ما يتلقى سواء دخلوا من نافذة الأدب أو خرجوا من أبواب التاريخ.

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here