تقارير

.. والدول أيضاً تُبتلى

المصدر

محمود حسونة

نعم، الدول أيضاً تُبتلى، شأنها شأن الأفراد، والبلاء لا يكون فقط بالكوارث الطبيعية التي تتعرض لها، وإنما قد تبتلى بفئة من أبنائها يتخذون الخيانة نهجاً، وقد يكون بولاة أمرها عندما يفسدون ويتغافلون عن فساد وإفساد المحيطين بهم، وهو ما لا يختلف بالنسبة للأفراد عن الابتلاء في الابن العاق، أو ولي الأمر المنصرف عن شؤون أسرته إلى ما يشبع نزواته ورغباته، حتى ولو كان الثمن تفكك الأسرة.
ومثلما تتفكك الأسر عندما تتوالى عليها البلايا ويصيب أعضاءها أو البعض منهم، فيروس الفوضى، وعبادة الذات، والانصراف عن الحقوق والواجبات، فإن الأمر ذاته ينطبق على الدول، والأمثلة حولنا ساطعة.
فقد كان 2011 عام الابتلاءات العظيمة لأمتنا، والتي تجسدت فيما سمّوه «الربيع العربي» ولم يكن سوى خريف عاصف انتشرت فيه الفوضى وانحرفت البوصلة، وضاعت الحقائق وانتشرت الجريمة وخرجت الفئران والثعالب والذئاب وكل الطامعين من الجحور لالتهام الدول والسطو على ما ومن فيها.
خريف 2011 عصف بدول ابتُليت بأنظمة حكم فاسدة وولاة أمر لم ينشغلوا بأمر رعيتهم، بقدر انشغالهم بتحقيق مطامعهم على حساب الشعوب، وكان طبيعياً أن تتحرك تلك الشعوب للتخلص ممن ابتُليت بهم، ولكنه تحرك غير مدروس ويفتقد للتخطيط والمنطق، ليصيبها ابتلاء أكبر، هو دعم أبناء العقوق الحاقدين على شعوبهم والطامعين بالتحكم في أهلهم وذويهم، وساعدهم على ذلك المتربصون في الخارج الذين لا يريدون للمنطقة خيراً.
وقد طالت ابتلاءات 2011 عدداً من دولنا، نجح بعضها في النجاة بفضل جيشها الوطني مثل مصر وتونس التي كانت أول المبتلين في نهاية 2010، وما زالت بعض دولنا تعاني وما زلنا نتابع فصولاً من مآسيها.
الابتلاء قد يكون قدراً ومن حق الناس السعي لدفعه عنها، وإنما الكارثة حين يتدخل العناد فيزيد الطين بلّة، وكما يقولون «العناد يولد الكفر». وفِي حالة ابتلاء الدول، يتمثل الكفر في انهيارها وتسيّد لغة السلاح، وانتشار الفوضى في ربوعها وفقدان الثقة بين أهلها، وهو ما نلحظه جلياً في دولة مثل سوريا التي مازالت غارقة في الأزمة، بعد أن دخل جيشها في صراع مع ميليشيات ومجموعات مسلحة قدمت من مختلف أركان الأرض لتمارس الإرهاب والعنف، وجاءت إليها روسيا بطلب رسمي لحماية النظام، وتطوعت إيران و«حزب الله» بالانضمام لحماية «الشرعية».
ولأن تركيا أكبر الطامعين، كان طبيعياً أن تستغل الفرصة وتدعم الساعين إلى تخريب سوريا، وتسعى إلى استقطاع ما تستطيع من أراضيها، وكان يمكن ببعض الحكمة أن تتجنب سوريا كل ذلك.
أما لبنان فقد يكون الأقدم ابتلاء، حيث وقع شعبه ضحية لتركيبته السكانية ولاستغلال بعض أبنائه هذه التركيبة، ليتعرض منذ عام 1975 لسلسلة من الابتلاءات المتلاحقة، وكأنه غير مسموح له بأن يخرج من مستنقع إلا ليقع في آخر. ومنذ الحرب الأهلية ولبنان تلاحقه الأزمات، وبعد توقف سلسلة الاغتيالات التي طالت عدداً من رموزه وعلى رأسهم رئيس وزرائه الأسبق رفيق الحريري، تنفس الناس الصعداء مؤملين مستقبلاً أفضل، ولكن المستقبل جاء أسوأ وازداد سوءاً بفضل زعماء طوائفه وأمراء أزماته وباقي أركان حكمه، الذين لا يشغل بال أي منهم سوى تنفيذ أوامر سادته في الخارج، والحفاظ على مكتسباته ومصالحه في الداخل، حتى ولو كان الثمن سقوط الدولة وجوع الشعب بعد انهيار العملة، وعجز العهد عن توفير أدنى متطلبات الحياة للناس.
انفجار مرفأ بيروت حدث اهتز له العالم، ولم يهتز أمامه زعماء الطوائف وأمراء الحكم وسادة العهد!. وعدوا الناس بتحقيق يكشف الحقائق خلال خمسة أيام، ومر شهران ونصف الشهر وما تزال الحقائق مدفونة تحت أنقاض المرفأ، وداخل جدران البيوت التي تصدعت وتهدمت.
الغريب أن من يتابع ما يحدث في لبنان يدرك أن أركان الحكم في واد، والناس في واد آخر، ولا يشغل من ابتُلي بهم لبنان سوى مصالحهم، فمنهم من يفكر في مجلس شيوخ ليكون عبئاً إضافياً، ومنهم من يكلف نفسه بتشكيل الحكومة بعد أن يبرئ نفسه وهو وغيره على رأس قائمة الاتهام، ومنهم من يتمترس خلف سلاحه بصرف النظر عن أي عواقب. لبنان وسوريا من أكثر الدول العربية المبتلاة، وكأنه كان ينقصهما بلاء الحرائق الأخيرة، الذي يظل أهون الابتلاءات على الرغم من أضراره الكبيرة.

mahmoudhassouna2020@gmail.com

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here