أرشيف

نُذر حرب صينية أمريكية

المصدر

يونس السيد

يشبّه بعض المراقبين الأجواء السائدة بين الولايات المتحدة والصين بتلك الأجواء التي كانت قائمة عشية الحرب العالمية الأولى؛ فالعلاقات بين الجانبين تراجعت إلى أدنى مستوى لها منذ عقود، والخلافات بينهما تتفاقم في شتى المجالات من التجارة إلى تايوان وحقوق الإنسان إلى بحر الصين الجنوبي، وصولاً إلى فيروس «كورونا»، وبالتالي ثمة أسئلة كثيرة عمّا إذا كان الجانبان قد اقتربا من شفير المواجهة العسكرية.

نذر الحرب قائمة بالفعل؛ فالرئيس الصيني يأمر جيشه بالاستعداد للحرب، ويضعه في حالة تأهب قصوى، وواشنطن لديها ألف سبب وسبب لكبح جماح الصين؛ القوة الاقتصادية والعسكرية الصاعدة، وإعادة ضبط إيقاعها على نحو يبعد خطر تهديدها للولايات المتحدة وحلفائها.

لكن المسألة ليست بهذه البساطة؛ إذ تدرك واشنطن أن بكين تمكنت في السنوات الأخيرة من تطوير قدراتها العسكرية الاستراتيجية، خصوصاً في مجالي الغواصات والصواريخ، إلى جانب قدراتها النووية والتقنية، وتفوقت عليها في بعض المجالات، كما لا يمكنها إسقاط قدرات كوريا الشمالية النووية والباليستية، وأحدثها الصاروخ الباليستي العابر للقارات، والذي يعد أكبر صاروخ متحرك بوقود سائل على الإطلاق. الأسوأ بالنسبة لواشنطن هو ما حققته بكين من سيطرة على الجزء الأعظم من بحر الصين الجنوبي، وشمال المحيط الهادي، على الرغم من الحشود الضخمة، وانتشار عشرات القواعد العسكرية الأمريكية، عبر ربط مجموعات كبيرة من الجزر والشعَب المرجانية المتفرقة بممرات وجزر صناعية، مع الجزر الأكبر مساحة، استفادت منها كنقاط ارتكاز عسكرية نشرت فيها منظومة ضخمة من الصواريخ المتطورة المضادة للغواصات والسفن والقاذفات، بحسب المراقبين، ما سمح لها بتوسيع سيطرتها في بحر الصين الجنوبي، وصولاً إلى مداخل المحيط الهادي في الشمال، كما استفادت منها، لجهة توسيع مياهها الاقتصادية الخالصة.

أمام هذا الواقع، استفاقت واشنطن؛ لتجد نفسها في موقف شديد الحرج، فلا هي قادرة على القبول أو التسليم بالأمر الواقع الذي بدأت تفرضه بكين في تلك المنطقة، وتالياً لا يمكنها الرضوخ لتنامي قدرات كوريا الشمالية المتسارعة، والتي باتت تشكل تهديداً جدياً لها ولحلفائها، كما يقول وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، ولا هي قادرة على إعادة ضبط الصين على قواعد لعبتها الخاصة، بالذهاب إلى مواجهة عسكرية محدودة؛ لتدمير القدرات الصاروخية والنووية الصينية، وبالتالي فإن الانجرار إلى حرب، لا أحد يمكنه التحكم في نسقها؛ سيكون الأخطر في التاريخ؛ وسيشكل خطراً كارثياً ليس على الصين والولايات المتحدة وحدهما، وإنما على البشرية جمعاء.

هذا يعني أن الولايات المتحدة أمام خيارين؛ إما الذهاب إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بكل تداعياتها المحتملة، وإما الجنوح نحو البحث عن تسوية متوازنة؛ بحيث تعيد الصين إلى الامتثال لقواعد اللعبة الدولية على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، والاعتراف لها بخصوصيتها التاريخية والجغرافية، خصوصاً في بحر الصين الجنوبي، وتالياً البحث عن تسوية مع كوريا الشمالية تلبي طموحاتها الاقتصادية والسياسية، مقابل تخليها عن برنامجها النووي والصاروخي؛ لنزع فتيل التوترات الأكثر خطراً في العالم قبل فوات الأوان.

younis898@yahoo.com

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here