تقارير

نتحسر ولا نتذمر

المصدر

مارلين سلوم

ننظر إلى التركيبة التي خلقنا الله عليها، فتزداد فينا مشاعر الامتنان والشكر له، ونزداد قناعة بأن لكل تفصيلة فينا سبب وجود ووظيفة تؤديها في الوقت المناسب.
من تلك التفاصيل أننا نتأقلم ونعيد قولبة أنفسنا وفق الظروف التي تطرأ على حياتنا، إنما ليس كل تأقلم يكون سهلاً أو سريعاً أو أنه لا يترك أثراً.
حين داهمنا وباء «كوفيد ١٩»، لم نتخيل أننا سنجيد تشكيل أيامنا وفق معايير وضوابط جديدة لم يشهدها البشر من قبلنا، فدخلنا التجربة وأعدنا ترتيب أوراقنا وحياتنا، على مضض.
حين تتأمل الطلاب وهم يرتدون زيهم المدرسي المعتاد وقد صارت الكمامة وقناع الوجه الجزء الأهم والذي لا ينفصل عن الزي، تشعر في قرارة نفسك بغصّة، رغماً عنك تتذكر أشكال أبنائنا وبناتنا وهم ينطلقون إلى مدارسهم، كيف كانت الصغيرات متباهيات بالجدائل والتسريحة المميزة وشرائط الشعر الملونة!
أصعب مرحلة هي سنة أولى مدرسة، كانت ومنذ الأزل مرحلة الانفصال الأولى عن أحضان الأبوين، وبداية الاعتماد على الذات في الانخراط داخل المجتمع، وتكوين أصدقاء والاحتكاك المباشر مع الكبار والصغار. هذه المرحلة ازدادت غرابة وصعوبة في ظل وجود كورونا، ولا نعلم إذا ما كانت هي بداية مرحلة جديدة لحياة لن تخرج من خلف القناع أبداً، أم محنة عابرة ستتحول إلى ذكرى خلال أشهر قريبة.
يصعب علينا شكل الأطفال وهم ينتظرون الحافلات المدرسية في الصباح الباكر، وينظرون إلى العالم من خلف قناع بلاستيكي، وكأننا سخرنا من فكرة عيشنا داخل غرف مغلقة بسبب العزلة التي أوصلتنا إليها التكنولوجيا، وعشنا داخل «العلب» مع أنفسنا ومع العالم الافتراضي معزولين عن محيطنا الواقعي، حتى تحولت العزلة إلى واقع والافتراضي هو سبيلنا الأول والأفضل للتواصل مع الآخرين حتى أقرب المقربين.
تذمرنا من التصاقنا بشاشة الهاتف والكمبيوتر واللاب توب معظم الوقت حتى صارت الشاشة البلاستيكية العازلة لصيقة بوجوهنا ورفيقة مشاويرنا.
لا نتذمر، إنما نتحسر، لا نخرج عن قوانين الحياة الجديدة، إنما نحن إلى ذكريات جميلة، نراها وكأنها تبعد أجيالاً وأزمنة وعصوراً، بينما هي لم تتجاوز الأشهر، وما زلنا نعاندها كي ترحل عنا سريعاً، ولا تتحول إلى «وضع قائم» يفرض على البشرية الاستسلام، خصوصاً وأن الدراسات العلمية ما زالت تفاجئنا بتقارير عن كورونا ودهائه في الإفلات من بين أيدي العلماء، والتحول والتطور وترك أثر سلبي على حياة الإنسان حتى بعد الشفاء منه في بعض الحالات.

marlynsalloum@gmail.com

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here