أرشيف

موراكامي يرد على الغذامي

المصدر

ما زالت نظرية (النص الأنثوي الذي يتمدد ويتوالد كجسد المرأة الحامل) لعبدالله الغذامي تثير عندي الفضول والرغبة في معرفة فحوى هذه النظرية الغريبة التي أظن أنها أغرب ما طرح في عالم النقد الأدبي على الأطلاق وأكثرها إثارة للتعجب والتساؤل من وجهة نظري المتواضعة. يطرح الغذامي حجته بأنثوية نص حكايات «ألف ليلة وليلة» قائلا: «هناك تماثل شديد بين ألف ليلة وليلة كجسد نصوصي وبين الجسد الأنثوي. وذلك من حيث التوالد والتناسل، وكل حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة تحمل في رحمها حكاية أو حكايات أخرى تتولد عنها وتخرج من جوفها، فهي جسد ولود مثلما أنها جسد قابل للتمدد والتوليد».
ولتعزيز وجهة نظره بأنثوية نص «ألف ليلة وليلة» فإن الكاتب يضع مقارنة لا تقل غرابة عن سابقتها، ويضع مقارنة بالأرقام والإحصائيات بين المدة التي أمضتها شهرزاد في سرد الحكايات وتساوي ألف ليلة وليلة، أي ما يعادل ثلاثة وثلاثين شهرا، وهي حسب الغذامي المدة التي تقابل مدة الحمل والرضاعة.
هذه القراءة المختزلة تهمل الطابع الأدبي للعمل وتتعامل معه وكأنه تقرير يناقش بالأرقام معدل تلوث التربة في أحد المدن الصناعية، يبدو معه الخلط واضحا بين الواقع والخيال وبين الفن والعالم الواقعي، فالعلاقة بين المؤلف ونصه الأدبي أكثر تعقيدا من مجرد أرقام وإحصائيات يمكن حصرها في بنية تحليلية مبسطة تقوم على الإقصاءات التي تفترض أن المرأة وحدها قادرة على فهم التجربة الأنثوية، أو أن الرجل وحده قادر على فهم التجربة الذكورية. إن التجربة الإنسانية في الأدب غير قابلة للتقليص والاختزال في قوالب من الأرقام والإحصائيات ووضعها مقابل بعض الظواهر الفسيولوجية للإنسان. فهي تجربة معقدة ومركبة لا يمكن حصرها من خلال نظريات كلية ومحددة، وليس من اليسير منح هذه التجربة معايير ومواصفات منفصلة من حيث الجوهر.
هل هذه الأحكام التي أطلقها الغذامي متماسكة دائما أم يكتنفها اللبس والإبهام؟ للروائي الياباني الشهير «هاروكي موراكامي» المرشح لنيل جائزة نوبل للأدب، تجربة شبيهة لحكايات ألف ليلة وليلة، في واحدة من أهم رواياته وأكبرها من حيث الحجم، وهي رواية «1Q84» وتنقسم إلى ثلاثة أجزاء، في ثلاثة كتب منفصلة، وكل كتاب يحكي أحداثا روائية في ثلاثة أشهر، حيث تدور أحداث الرواية في الكتاب الأول بين شهري أبريل ويونيو، والكتاب الثاني بين يوليو وسبتمبر، والكتاب الثالث بين أكتوبر وديسمبر. إذن المدة التي أمضاها هاروكي موراكامي في إنجاز روايته تساوي تسعة أشهر أي بما يعادل مدة الحمل عند المرأة، فهل هاروكي موراكامي يلعب دور المدون فقط لحكايات نسائية متداولة شفاهيا في الثقافة اليابانية؟
تلعب شخصية «أومامه» دور البطولة، وهي شخصية ذات دوافع نفسية خفية جراء تعرضها لتجارب قاسية في طفولتها، وصدمتها بفقدان صديقتها العزيزة (تاماكي أوتسوكا) بطريقة شنيعة بعد انتحارها بسبب تعنيف زوجها لها، وهذا ما جعل «أومامه» تقرر التخلص من زوج صديقتها العزيزة، وتحولها بعد ذلك لقاتلة محترفة تعمل لدى «الأرملة الغنية» لاغتيال الرجال الذين يضطهدون النساء ويمارسون العنف ضدهن. والأرملة العجوز الغنية تدير بدورها ملجأ للنساء اللواتي تعرضن للعنف والاضطهاد بسبب الرجال.
يجري سرد كثير من أحداث الرواية على لسان «أومامه» وحسب تعبير الغذامي عن شهرزاد فإن أومامه هي الأخرى لم تكن تحكي وتتكلم وحسب، ولكنها كانت أيضا تواجه الرجل وتواجه الموت وتدافع عن ذاتها وقيمها الأخلاقية والمعنوية، ففي عقلها اللاواعي تؤمن أنها تنفذ إرادة العناية الإلهية في سبيل إنقاذ بنات جنسها وإحلال العدالة، كانت أومامه تمارس سلطة اللغة وسلطان النص، وتكرس صورة التحدي والصراع من أجل بقاء الذات وبقاء الجنس جسديا ومعنويا، وحسب تعبير الغذامي فإن غاية نص رواية «1Q84» هو الآخر «مرافعة نسائية من أجل النساء، وهي دفاع عن جنس بشري ومحافظة على بقائه جسديا وسلامته معنويا وثقافيا».
Next Page >

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here