أرشيف

مقومات حرب باردة جديدة

المصدر

تأليف: ريج ماكلولين

ترجمة وعرض: نضال إبراهيم

تناولت الصحافة الغربية العلاقة المعقدة مع روسيا لفترة طويلة، وتعاملت بطريقة سلبية خاصة مع صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ بداية ولايته الأولى في عام 2000. يحاول هذا الكتاب تحليل كيفية استجابة وسائل الإعلام الغربية لصعود بوتين إلى السلطة، وصورته في الإعلام، وعلاقته مع الغرب، ويقترح النظر من زاوية مختلفة في هذه العلاقة تجنباً لأي حرب باردة جديدة.

يطرح مؤلف الكتاب عدداً من الأسئلة في بداية الكتاب حول العلاقة الغربية الروسية، ويقدّم الإجابات عبر تحليلات للصحف البريطانية والأمريكية، متسائلاً: «ماذا نعرف في الغرب عن روسيا؟ هل نعرف أنها أكبر دولة في العالم، حيث تبلغ مساحتها أكثر من 17.1 مليون كيلومتر مربع، مع 11 منطقة زمنية، من الغرب إلى الشرق، ويبلغ عدد سكانها بكل الأعراق 146 مليوناً؟ هل نعرف مواردها الطبيعية الهائلة التي نعتمد عليها؟ هل نعرف تراثها الفني الغني؛ أدبها وموسيقاها وفنها؟ هل نعرف تاريخها الطويل المضطرب من القرن الأول الميلادي إلى صعود القيصر في أوائل القرن السابع عشر، وظهور الإمبراطورية الروسية بعد قرن من الزمان؟ هل نعرف الكثير عن الثورات الروسية التي جلبت تغييراً جذرياً للبلاد عام 1917، وعلى حد تعبير الصحفي الأمريكي جون ريد «هزّت العالم» في طريقة جديدة للتفكير في المحور السياسي لروسيا؟ لم تعد انعزالية، ولكن أممية، ويمكن القول، أكثر تصادمية؟».

يرى الكاتب أن الانقسام الكبير في العالم تدريجياً حول الإمبراطوريات والتحالفات المختلفة أصبح أقل مما كان بين روسيا بأفكارها الثورية الماركسية والشيوعية، والغرب وأيديولوجيته التوأم للرأسمالية والديمقراطية الليبرالية، متسائلاً: «كم نعرف عن تاريخ الشك المتبادل وانعدام الثقة وحتى الكراهية التي ميزت العلاقة بين روسيا وما تطور إلى الاتحاد السوفييتي الأكبر (الشرق)، وبيننا (الغرب)؟ هل نعرف عن أهوال الهجرة القسرية وتجميع الأراضي الزراعية في الاتحاد السوفييتي في الثلاثينات؟ أو دور الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، بمجرد أن أصبح حليفاً للغرب، في كسب الحرب ضد نظام أدولف هتلر النازي في ألمانيا؟

هل نعرف أن عدد القتلى السوفييت في تلك الحرب هو أكثر من 20 مليون شخص مدني وعسكري، تجاوز بكثير عدد القتلى من الحلفاء الغربيين مجتمعين؟ هل نعرف عن القصف النووي الذي شنته الولايات المتحدة الأمريكية على هيروشيما وناجازاكي، والذي يبلغ إجمالي عدد القتلى فيه ما بين 120 ألفاً و220 ألفاً من الأرواح البشرية، يعتمد العدد على كيف يحسبهم المرء؟ هل نعرف عن سباق التسلح النووي بين الغرب والاتحاد السوفييتي؟ حول تصلب الانقسام بيننا؟ الستار الحديدي؟ جدار برلين؟ أزمة الصواريخ الكوبية؟ ومختلف أشكال سوء الفهم والحوادث والاقتراب من ارتكاب الأخطاء التي كان من الممكن أن تنهي كل شيء لنا جميعاً؟

هل نتذكر تلك الأفلام الوثائقية التلفزيونية حول ما يمكن أن يحدث في حالة حدوث ضربة نووية، أو إعلانات المعلومات العامة التي تنصح الناس بأنه في حالة وقوع هجوم صاروخي نووي وارد، يجب أن نختبئ خلف كيس رمل، ونغمض أعيننا ونأمل (في دقائقنا التي نموت فيها) أن كل شيء سيكون جيداً؟

ثم مرة أخرى، هل نعرف عن أيام الأمل؟ أيام الثمانينات ووصول زعيم جديد للاتحاد السوفييتي ميخائيل جورباتشوف (جوربي) وزياراته إلى الغرب؟

كيف حوّل النظرة التي رأى بها الجمهور الغربي الاتحاد السوفييتي، أو «إمبراطورية الشر» كما وصفها الرئيس الأمريكي رونالد ريجان؟ هل نعرف عن الثورات التي انتشرت في جميع أنحاء أوروبا الشرقية عام 1989؟ رمز «سقوط جدار برلين» الرمزي في نوفمبر من ذلك العام؟ وهل نعرف أو نتذكر أنه في 25 ديسمبر 1991، تم رفع العلم الأحمر للاتحاد السوفييتي بمطرقته ومنجله؛ رمز اتحاد العمال والفلاحين، على الكرملين في موسكو للمرة الأخيرة؟».

السيطرة على الفوضى

يشير الكاتب إلى أن الاتحاد السوفييتي لم يعد موجوداً. انتهت الحرب الباردة. انتصر الغرب. ولكن كانت لا تزال هناك روسيا ودخلت عقداً من الفوضى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الهائلة. وقد برز ذلك بطرق عديدة عبر شخصية وأسلوب أول رئيس للجمهورية الروسية الجديدة هو بوريس يلتسين. في غضون فترتين مدتهما أربع سنوات، بدءاً من يونيو 1991، أشرف يلتسن على تحول روسيا من دولة ستالينية إلى جمهورية حرة السوق على طول الخطوط الغربية. ومع ذلك، أشرف أيضاً على النقل الكارثي للثروة من الدولة إلى القطاع الخاص الأمر الأكثر إثارة للقلق في قطاعات النفط والمعادن والصناعات والمالية وإفقار شريحة كبيرة من السكان.

ومع ذلك، لم ير يلتسين كامل فترة ولايته الثانية كرئيس، حيث أصبح غير قادر على العمل في منصبه بسبب اعتلال صحته وإدمانه الكحول، مما اضطره إلى الاستقالة في 31 ديسمبر 1999، وتم استبداله على أساس مؤقت برئيس وزرائه فلاديمير بوتين. في غضون ثلاثة أشهر، انتصر بوتين على الكتلة المنقسمة والفوضوية لأحزاب المعارضة (القوميين والشيوعيين والليبراليين الذين يواجهون الغرب) وانتخب رئيساً لروسيا بحصوله على أغلبية 52% من أصوات الناخبين. أعيد انتخابه في عام 2004، لكنه أفسح المجال دستورياً في عام 2008 لمرشح جديد وهو ديمتري ميدفيديف، على أساس أن الرئيس الجديد لن يعارضه في المنافسة التالية، المقرر إجراؤها في عام 2012.

في الفترة الانتقالية، وافقت الإدارة الجديدة على تمديد الولاية الرئاسية من أربع إلى ست سنوات، بدءاً من عام 2012، مما سمح لبوتين بالترشح للفوز بولاية جديدة وفوزه مرة أخرى في عام 2018. وبحلول نهاية ولايته في عام 2024، يصبح فلاديمير بوتين الحاكم الفعلي لروسيا لمدة 25 عاماً. من غير المؤكد ما إذا كان سيتخلى رسمياً عن السلطة إلى الأبد في تلك المرحلة. سيكون عمره 72 عاماً، وربما يتطلع في تلك المرحلة إلى تقاعد طويل وسعيد في منتجع العطلات في سوتشي؟ أو ربما سيجد طريقة لتمديد حكمه لولاية أخرى؟

خلال السنوات العشرين التي قضاها في السلطة، برز يريد الاستدامة في الاقتصاد والمصداقية في الشؤون الخارجية. لقد قدم نفسه على أنه رجل قوي، قيصر جديد، لا يخشى مواجهة القلة الخارجة عن السيطرة، والتي يُلام عليها على نطاق واسع في التدهور الاقتصادي للبلاد. ولم يكن خائفاً من مواجهة الغرب واستدعاء خداعه، مع تصميمه الظاهر على تطويق روسيا وإبقائها مغلقة.

بناء الصورة الإعلامية

يركز هذا الكتاب على الصورة الإعلامية الغربية تجاه بوتين وروسيا التي ظهرت بسرعة كبيرة منذ بداية ولايته الأولى كرئيس في عام 2000. ويتضمن تحليلاً لكيفية استجابة وسائل الإعلام الغربية لصعود بوتين إلى السلطة، مع الإشارة إلى روسيا ووسائل الإعلام، وعلاقته مع الغرب: منذ بداية الحرب الشيشانية الثانية، في عام 1999 إلى أوائل عام 2019.

يأتي الكتاب بعد التمهيد بعنوان «الحرب الباردة وأنا» في سبعة أقسام هي: المقدمة، والحرب الباردة، والإعلام وصورة العدو، وبوتين في روسيا، وروسيا في بوتين: التغطية الصحفية في الانتخابات الرئاسية، 2000 2018، وتغطية روسيا بوتين: المعارضة السياسية والتجسس، بوتين في حرب: من الشيشان إلى سوريا، الحديث مع فلاديمير: أكبر، أقسى، أقوى.

فوضى التسعينات

يقدّم الكاتب في الفصل الثاني تحليله في السياق التاريخي، ويراجع الدور الذي لعبته وسائل الإعلام الغربية في الفهم الغربي للاتحاد السوفييتي، من الثورة الروسية في أكتوبر 1917 إلى تفكيكه في عام 1991. ويحدد عنصرين من العناصر المتميزة ذات الصلة في الحرب الباردة لوسائل الإعلام، والإطار التفسيري: صورة الاتحاد السوفييتي «صورة العدو»، وكيف تم استخدامها في الغرب لفهم العلاقة مع الاتحاد السوفييتي.

وبعد ذلك، يقدم الكاتب أربعة فصول (الفصول من 3 إلى 6) لمعاينة الجوانب المختلفة لكيفية استجابة وسائل الإعلام لظهور روسيا الجديدة من فوضى التسعينات. هذا الظهور الذي أعاد تأكيد قوة روسيا وثقتها تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين. يمتد الكتاب عبر أحداث جرت خلال 20 عاماً، ويركز بشكل أساسي على الصحافة اليومية في المملكة المتحدة، مع الإشارة أيضاً إلى صحيفة نيويورك تايمز. يقدم الكتاب عينة إجمالية مكونة من 3177 مادة صحفية، باستخدام قاعدة بيانات «نيكيس» للصحف اليومية البريطانية وأرشيف نيويورك تايمز على الإنترنت.

ويحلل في الفصل الثالث تغطية جميع الانتخابات الرئاسية الخمسة في روسيا منذ وصول بوتين إلى السلطة في عام 2000، بما في ذلك عام 2008 عندما تنحى وفقاً للالتزام الدستوري، لكنه أصبح رئيساً للوزراء في ظل الرئيس الجديد، ديمتري ميدفيديف. وينصب تركيزه في المقام الأول على الطريقة التي تم بها بناء صورة بوتين منذ البداية بعبارات الحرب الباردة السلبية للغاية.

ويعاين المؤلف في الفصل الرابع التغطية الصحفية لعلاقة بوتين بمعارضته السياسية في الداخل والخارج. يتضمن التحليل أربع دراسات وحالات، تتناول اغتيال شخصيتين معارضتين في موسكو: الصحفية آنا بوليتكوفسكايا في عام 2006، والسياسي بوريس نيمتسوف في عام 2015، ومصير اثنين من ضباط المخابرات الروسية السابقين في بريطانيا: مقتل ألكسندر ليتفينينكو في لندن 2006، ومحاولة قتل سيرجي سكريبال في سالزبوري في 2018.

العلاقة مع الغرب

ويركز المؤلف في تحليله خلال الفصل الخامس، على تقارير الزعيم الروسي في الصراع وكيف استجاب الغرب لذلك. ويتضمن خمس دراسات تبحث في تغطية المرحلة الأولى من الحرب الشيشانية الثانية 1999 2000، والحرب الروسية الجورجية في 2008، وضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، وإسقاط رحلة الخطوط الجوية الماليزية (MH

17) في عام 2014، ودعم روسيا للرئيس السوري بشار الأسد في عام 2012.

ويتضمن الفصل السادس تحليلات لست دراسات تنظر في تغطية اجتماعات بوتين مع الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين من بيل كلينتون في عام 2000 إلى دونالد ترامب في عام 2018. ويسلط الضوء على الطريقة التي تميزت بها تغطية اجتماعات قمة الزعيم الروسي مع دونالد ترامب شكلاً من الاستراحة، حتى مع الصحافة المحافظة التي اتخذت موقفاً حاسماً تجاه الرئيس الأمريكي على خلفية التوترات المتزايدة بين أوروبا والولايات المتحدة بشأن الأمن القومي، والإنفاق الدفاعي.

ويعتمد الفصل الأخير «مقومات حرب باردة جديدة» على مواد من العينات المذكورة أعلاه لتقييم إلى أي مدى وضعت الصحافة البريطانية إطاراً تفسيرياً جديداً للحرب الباردة لفهم العلاقة بين الغرب وروسيا. ويركز الفصل على الأصوات في افتتاحيات الصحف البريطانية وكتّاب الأعمدة والآراء، وكيفية تنافسهم لتقديم تحليل وتفسير لهذه العلاقة. هل يقتصر الأمر فقط على نزعة فلاديمير بوتين كزعيم روسي، مما يجعله في موقع الحرب الباردة كتهديد للغرب، وبعبارة أخرى، هل هي مرحلة عابرة في العلاقة ستتغير مرة أخرى بعد أن يتنحى الرئيس بوتين أخيراً؟ أم أن معظم هذا المحتوى التحريري يقدم تحليلاً بديلاً يتخطى مفاهيم الحرب الباردة إلى شيء أقرب إلى النضالات الإمبريالية في القرن التاسع عشر، وبعبارة أخرى لعبة «القوى العظمى». بطبيعة الحال، فإن السؤال النهائي هو هذا: هل هناك أي بديل لهذه التفسيرات؛ بديل يحوّل التركيز من روسيا إلى الغرب ويتحدى أفعالها وسياساتها لتقديم منظور أكثر انتقاداً ودقة في هذه العلاقة الطويلة الأمد التي تنطوي على مشكلات؟

نبذة عن الكاتب

جريج ماكلولين هو زميل في مركز البحث الإعلامي بجامعة أولستر البريطانية. وهو مؤلف لعدد من الكتب منها: «مراسل الحرب» (2016)، ومؤلف مشارك مع ستيفن بيكر في «بروباغندا السلام: دور الإعلام والثقافة في عملية السلام في أيرلندا الشمالية» (2010)، و«وسائل الإعلام البريطانية والأحد الدامي» (2015).

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here