عربي ودولي

“مطلوب متبرع”.. مغاربة في انتظار العتق من جلسات غسيل الكلى

المصدر

يقول ياسين (26 عاما)، الذي أصيب بمرض في الكلي كانت أعراضه بسيطة عندما كان عمره عشر سنوات قبل أن يتطور إلى قصور كلوي في سن 19 عاما: "كنت أتردد على المستشفى وبداخل قاعات تصفية الكلي كنت شاهدا على حالات لمصابين بمرض القصور الكلوي الحاد (تعطل وظيفة الكلي)، توفوا بعدما لم تنفع معهم عملية تصفية الدم (غسيل كلوي) ولم يتمكنوا من زراعة الكلي سواء من متطوع تربطهم به قرابة عائلية أو شخص متوفى دماغيا".

ياسين يعد واحد من آلاف المغاربة ممن يعقدون الأمل على إيجاد متبرع يأتي على يده الخلاص في عيش حياة طبيعية، إلا أن هذه الغاية ليست بالسهلة، نظرا لغياب ثقافة التبرع بالأعضاء وسط المغاربة وعزوفهم عن العملية بصورة شبه كاملة.

وعلى امتداد ثلاث عقود الأخيرة تبرع 1100 مغربي فقط بأعضائهم وأجريت في المملكة 630 عملية زرع كلي، حسب أرقام حديثة أصدرتها الجمعية المغربية لمحاربة أمراض الكلي، بمناسبة اليوم العالمي للتبرع بالكلي الذي يصادف 17 أكتوبر من كل عام.

في انتظار متبرع.. تأثيرات صحية ونفسية

يقول ياسين الذي يتردد 3 مرات في الأسبوع على مركز لغسيلالكلي، إن "التبرع بالأعضاء ضعيف في المغرب" و يعزي ضعف إقبال المغاربة على هذا الفعل التطوعي، إلى قلة التوعية بأهمية التبرع وغياب الوعي الكافي بالإضافة إلى شح المعلومات، وانتشار شائعات مغلوطة ترتبط بالجانب الديني والصحي والقانوني.

ويؤكد أنه "لو انتشرت المعلومة الصحيحة في ما يخص هذا الموضوع، لكان إقبال المغاربة على التبرع بأعضائهم بعد وفاتهم أكبر ويفوق التوقعات".

يستطرد الشاب ياسين قائلا: "من دون زراعة ناجحة للكلي، من العسير على المصاب بالمرض المزمن أن يعيش حياته بشكل عادي، حيث ينعكس المرض على مختلف جوانب حياته الاجتماعية والمهنية، ولعل أوضح مثال على ذلك، الحصص الأسبوعية الخاصة بتصفية الدم والتي تضطره إلى عدم السفر خارج مدينته، ويجد صعوبة في الالتزام بمواقيت العمل أو الدراسة مع إلغاء العديد من برامجه اليومية".

ومن بين العواقب أيضا، يقول ياسين: "قد تتطور الوضعية النفسية للمريض فيميل نحو الانعزال عن العالم الخارجي ويدخل في حالة اكتئاب حاد، قد تؤدي به للتفكير في الانتحار من أجل وضع حد للمعاناة مع المرض".

الزراعة… فرصة ثانية للحياة

''لم أكن أعرف أي معلومة عن القصور الكلوي، إلا بعد إصابتي بهذا المرض المزمن، حيث أخبرني الطبيب بضرورة الخضوع لثلاثة حصص لتصفية الدم في الأسبوع، سترافقني طيلة حياتي. خبر نزل كالصاعقة علي وعلى عائلتي" هذا ما احتفظت به سناء بومزود(41 عاما): ، من ذكريات أليمة لا زالت تراودها منذ لحظة علمها بإلاصابة بالقصور الكلوي قبل عشر سنوات.

تضيف سناء لـ"سكاء نيوز عربية": "لم أكن آنذاك أتوفر على تغطية صحية وكان العلاج مكلفا، حيث كنت في حاجة ماسة إلى ثلاثة حصص في الأسبوع لتصفية الكلي تكلف الواحدة منها 1000 درهم (حوالي 100 دولار)".

بعد معاناتها مع المرض الذي دفعها إلى الانقطاع عن الدراسة، تقول سناء إن "عائلتها اضطرت إلى بيع ممتلكاتها من أجل التكفل بعلاجها، حيث خضعت لعملية زرع كلي بإحدى مستشفيات مدينة الرباط، بعد أن تطوع أخوها وتبرع بكلية أنقدت حياتها من الدمار".

تردف سناء "قبل إجراء العملية لم يكن أحد من أفراد عائلتي أو أقاربي يتوقع بأنني سأبقى على قيد الحياة، خصوصا بعد أزمة نفسية وعزلة تامة أدخلني فيها المرض، حيث ارتبطت كل أفكاري خلال تلك الفترة بالموت رغم أنني من الأشخاص المحبين للحياة".

وقد كان لنجاح عملية زرع الكلي دور كبير في زرع الأمل من جديد في نفسية سناء التي تصف "لسكاي نيوز عربية" تجربتها: "كانت أهم درس تلقيته في حياتي، حيث أصبحت أحس بالقيمة الحقيقية للأشياء وأقدر أبسطها، ومنذ إجرائي لعملية زرع الكلي أعيش حياة طبيعية جدا كما أن أخي لا يعاني من أي مضاعفات صحية بسبب العملية".

غياب ثقافة التبرع بالأعضاء

لم تتجاوز عمليات زرع الكلي خلال الثلاثين سنة الأخيرة في المغرب 570 عملية، كان مصدرها متبرع من أفراد العائلة و60 عملية فقط مصدرها أشخاص في حالة وفاة دماغية. ويصف المختصون في المجال الصحي هذه الأرقام بالضعيفة جدا حيث لا تلبي حاجة 32 ألف شخص ممن يلجئون لغسل الكلي.

وجوابا عن سؤال لـ"سكاي نيوز عربية" حول سبب عزوف المغاربة عن التبرع بالأعضاء، يؤكد طارق الصقلي الحسيني رئيس مصلحة طب الكلي بالمركز الإستشفائي الحسن الثاني بمدينة فاس، أن "أغلب المغاربة لم يحضوا بالتوعية الكافية في ما يخص هذا الموضوع، بسبب تغييبه سواء في المناهج التعليمية، أو ضمن الاستراتجيات الوطنية الحكومية".

ولم يسبق لوزارة الصحة في عقود مضت إدراجه ضمن أولوياتها، حيث كان التركيز منصبا اكثر على الأمراض المعدية و الأمراض التعفنية.

ومن بين الأسباب أيضا وراء عزوف المواطنين المغاربة عن التبرع بالأعضاء، هو "عدم ثقتهم في المنظومة الصحية بسبب ظروف العناية بالمرضى في عدد من المستشفيات"، بحسب الدكتور الصقلي.

ومن أجل ترسيخ ثقافة التبرع بالأعضاء بين المغاربة، دعا الدكتور الصقلي، إلى اعتماد مقاربة جديدة من خلال الانفتاح على موضوع التبرع بالأعضاء بهدف إفساح المجال أمام المواطنين لإبداء موقفهم من التبرع بأعضاءهم، ليكون أفراد عائلتهم ومحيطهم على علم مسبق بموقف الشخص المتوفى من هذه القضية".

يقول الدكتور: "هناك من يختبئ وراء الدين لتبرير عدم اقتناعه بفكرة التبرع بالأعضاء". و يضيف: "لا توجد فتوى رسمية تحرم ذلك، كما أن القانون المغربي يكفل حق التبرع بالأعضاء ويقنن هذه العملية بشكل صارم".

هل التبرع بالأعضاء جائز شرعا؟

وفي ظل الجدل القائم حول جواز التبرع بالأعضاء من عدمه، فإن أغلب علماء الدين أباحوا ذلك سواء على قيد الحياة أو بعد الوفاة، وفق شروط معينة وضوابط محددة.

ويتحدث الواعظ الديني بأحد المجالس المحلية بمدينة الدارالبيضاء زهير العمري، عن الشروط التي يلزم توفرها للتبرع بالأعضاء، ويقول "لا يجب أن يتلقى المتبرع بالأعضاء أي مقابل مادي، و لا ينبغي أن تتم العملية بهدف البيع أو الشراء".

ويضيف في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، أنه "من بين شروط التبرع بالأعضاء أيضا، أن لا تسبب العملية في أي ضرر صحي للمتبرع. ويشير المتحدث إلى "عدم جواز تبرع الإنسان الحي بعضو قد ينهي حياته كالقلب مثلا"

وعن التبرع بعد الموت اختلف علماء الشريعة المعاصريين بين معارض وموافق كما يؤكد العمري، مضيفا: "يعلل المعارضون موقفهم بكون جسد الانسان ملك لله، ولا يجوز التصرف فيه، أما المجيزون فينطلقون من قول الله تعالى "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" أي أن التبرع بالأعضاء يدخل ضمن باب الاحسان بعد الممات".

قانون صارم لمنع المتاجرة في الأعضاء

وأقر المغرب منذ سنة 1999 قانونا ينظم عملية التبرع بالأعضاء البشرية والأنسجة، ووضع حماية قانونية للمتبرع من أي تلاعبات في العملية.

وتحدد عملية التبرع بالأعضاء في المغرب التي تتم حصرا داخل المستشفيات الحكومية في نوعين، الأول هو التبرع من حي لحي تجمعهما قرابة عائلية. أما النوع الثاني فهو التبرع من ميت لحي، حيث يتبرع المتوفى بأعضائه قيد حياته أو بعد مماته إن لم يعبر من قبل عن رفضه للعملية وبشرط عدم اعتراض أفراد عائلته.

ويعتبر القانون المغربي أن هذا الفعل الإنساني، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم بغرض الحصول على أجر أو أن يكون محل معاملة تجارية.

ولضمان عدم تحول العملية إلى متاجرة بالأعضاء البشرية، فإن القانون يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وبغرامة مالية كل من عرض بأية وسيلة كانت، تنظيم أو إجراء معاملة تجارية بشأن أخد أعضاء بشرية.

ويشدد القانون المؤطر لعملية التبرع بالأعضاء في المغرب ضمن مادته السابعة، على عدم جواز تعرف المتبرع على هوية المتبرع له، كما لا يجوز كشف أي معلومات تمكن من التعرف على هوية المتبرع له.

في هذا الإطار، تقول المحامية بهيئة الدارالبيضاء لبنى الصغيري، لـ"سكاي نيوز عربية"، إن هناك مسطرة خاصة يتوجب على الراغب في التبرع اتباعها، عبر التوجه نحو مقر المحكمة المدنية، والتوقيع على التزامه الشخصي بالتبرع بالأعضاء في سجل خاص بذلك.

وتوضح المحامية أن المتبرع يمكنه في أي وقت من الأوقات، التراجع عن وهب أعضائه.

Original Article

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here