ثقافة

مسكوكات عبدالملك بن مروان «الفئة المنسية»

المصدر

نشر المحامي «يزن خلف التل»، الباحث في مسكوكات الخليفة الواقف «عبدالملك بن مروان» ورقة بحث جديدة ومميزة لاقت اهتماماً من قبل عدد من الخبراء والباحثين على موقع أكاديميا (Academia) بعنوان «دينار الخليفة الواقف ضرب دمشق ولغز قوالب القطع النحاسية المطابقة لقالب الدينار («الفئة المنسية») – إعادة قراءة» إذ تعيد الورقة قراءة فئة معينة من مسكوكات الخليفة الواقف «عبدالملك بن مروان» من منظور جديد وتطرح تصوراً عن الإصلاح النقدي الأموي لم تطرح من قبل ألا وهي (حقبة دينار الخليفة الواقف غير المؤرخ السابقة لسنة 74 هجري). أطلق عليها اسم (الفئة المنسية) ودعا التل لإنقاذها والمحافظة عليها عقب ما يعتقد أن أخطاء جسيمة شابت دراستها الأولى، وأدت الى تعطيل البحث فيها بشكل مجحف بأهميتها في السنوات الخمس عشرة الماضية.

لغز قوالب القطع النحاسية

تناول الطرح مناقشة لغز قوالب لقطع نحاسية عليها أماكن ضرب مختلفة تابعة لأجناد مختلفة، وأدى هذا الأمر غير المألوف إلى فهم جانب الصواب لماهية القطع النحاسية بسبب غياب الدينار أثناء دراسة قطع مشابهة من قبل الباحثة (أنجرد تشوالز Ingrid Schulze) التي نشرتها في ثلاثة مقالات في الأعوام 2007 و2009 و2011، إذ تبين كيف أن بعض الاجتهادات التي وردت في المقالات المذكورة كانت مبنية على تكهنات ومعايير شخصية أكثر من كونها موضوعية ما أدى إلى نتيجة خاطئة، ألا وهي اعتبار الفئة محل البحث ملغية من الوجود بشكل كامل وشمولي في سابقة لم تحدث من قبل في علم ودراسات وبحوث المسكوكات. فالفرق كبير بين دراسة قطع نقدية معينة تدعي الانتماء لفئة من المسكوكات للتمييز بين الأصلي منها والمزيف وبين اعتبار كل الفئة ملغية من الوجود بشكل شمولي.

وأعاد طرح التل قراءة هذه الفئة من المسكوكات بشكل موضوعي مبني على أدلة مادية وتفسيرات منطقية وعلمية مبسطة، فظهور الدينار حل بشكل واضح لغز تطابق قوالب القطع النحاسية؛ التي عليها أماكن ضرب تعود لأجناد مختلفة وبالأخص تلك القطع النحاسية التي تمتاز بالشكل الدائري المنتظم، وأثبت الدينار أن تلك القطع النحاسية لم يكن المقصود منها فلوساً للتداول وإنما دنانير نحاسية تجريبية Trial Strikes تم إصدارها بشكل مركزي تحت إشراف الخلافة بدمشق التي تتبع لها جميع الأجناد وجميع أماكن الضرب المكتوبة على القطع النحاسية. فالشكل الدائري المنتظم دليل على رقابة عالية عليها عند إصدارها من قبل السلطة المركزية بدمشق.

اللوحة

وعقب حوالى شهر من نشر ورقة التل تم نشر ورقة جديدة أُطلِقَ عليها اسم «اللوحة» بسبب الاهتمام اللافت الذي لاقته الورقة الأولى من قبل عدد من المختصين والباحثين وهواة اقتناء المسكوكات الذين شاركوا معه صوراً جديدة لقطع نحاسية تابعة للفئة نفسها مفيدة للتعمق بالبحث ودراسة أفضل للفئة محل الورقة الأولى، وتم عرض الصور في اللوحة التي أعطت إثباتاً جلياً بأن هذه الفئة لم تأتِ من فراغ كما أعطت تفسيرات علمية جديدة للقطع النحاسية، أولها؛ أن القطع ذات الشكل الدائري المنتظم كانت عبارة عن دنانير نحاسية تجريبية، وثانيها؛ أن القطع النحاسية ذات الشكل الدائري غير المنتظم ربما يكون المقصود منها فلوساً تم إصدارها على قالب تم استخدامه مسبقاً لإصدار الدينار عقب إلغائه.

الفئة الأهم

لعل أكثر ما يلفت الانتباه في ورقة البحث الأولى التحليل المنطقي والموضوعي عن أمثل ما يمكن أن تخبرنا به هذه الفئة ممثلة بالمسكوكات المعروضة فيها وباللوحة بأن رحلة الإصلاح النقدي الأموية مرت بأربع مراحل وليس ثلاث مراحل؛ خلافاً للمعتقد الدارج، إذ أضافت هذه الفئة حقبة دينار الخليفة الواقف غير المؤرخ السابقة لسنة 74 هجري لتضاف هذه المرحلة من مراحل الإصلاح، الى مرحلة الدينار العربي- البيزنطي ومرحلة دينار الخليفة الواقف بين سنة 74-77 ومرحلة الدينار العربي الصرف الذي بدأ إصداره مع نهاية سنة 77 هجري، وبنى الباحث هذه النتيجة المهمة على أماكن الضرب المكتوبة على القطع النحاسية التي تعود جميعها لأماكن سيطر عليها الأمويون قبل سنة 74 هجري، ولا يوجد من هذه الفئة ما عليها أماكن ضرب تعود لأماكن وقعت تحت سيطرة الخليفة عبدالملك بن مروان عقب تلك السنة، اذ كان من المنطقي أن يعطي الخليفة عبدالملك بن مروان أهمية للمكان على التاريخ، فكان مكان الضرب على المسكوكات في تلك الفترة إثباتاً لسيادة الخليفة عبدالملك على الأماكن المكتوبة عليها بمواجهة عبدالله بن الزبير وأخيه مصعب، وما يدل بشكل واضح على ذلك اختفاء المكان عن مسكوكات الخليفة الواقف الذهبية وظهور التاريخ عليها سنة 74 هجري؛ التي بدأ إصدارها عقب مقتل عبدالله بن الزبير سنة 73 هجري، وإحكام الخليفة عبدالملك بن مروان سيطرته بشكل كامل على الحجاز والعراق فلم يعد لمكان الضرب أهمية كما كانت من قبل وأصبح تاريخ الضرب الأكثر أهمية عقب ذلك.

وهنا دعوة للخبراء والباحثين في حقبة ما قبل الإصلاح النقدي للتروي الشديد في إطلاق الأحكام السلبية على أي مسكوكة تعود لتلك الحقبة؛ لأن المسكوكات وثائق تاريخية وهذه الحقبة، بالذات تعاني بشدة من شح المخطوطات المعاصرة لها والمسكوكات الناجية منها في يومنا هذا، فإلغاء أي قطعة ربما يؤدي الى التأثير سلباً على البحث فيها، فكيف وقد طال أمر الإلغاء فئة نقدية كاملة؛ باعتبارها ملغية من الوجود بشكل كامل وشمولي.

ولأهمية مسكوكات الخليفة الواقف عبدالملك بن مروان، وما تمثله من مرحلة مهمة من مراحل التاريخ الإسلامي، فإنني أرجو أن يكون هناك اهتمام أكبر بها من وزارة الثقافة، والجامعات السعودية، والباحثين السعوديين لتمحيصها، والتأكد منها، والسعي لاقتنائها، لتكون جزءاً من محتوى المتحف الإسلامي المزمع تنفيذه قريباً.

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here