تقارير

محرك الجودة الذي لا نحبه

المصدر

شيماء المرزوقي

يقول الفيلسوف والمفكر الراحل كارل بوبر، الذي يعتبر أحد أشهر فلاسفة القرن العشرين: «النقد هو دماء الحياة لكل تفكير عقلاني». وبطبيعة الحال، هذه الكلمات فيها مديح لفعل يراه البعض ضد النجاح؛ لأن النقد يقوم على ملاحظة العيوب وتلمس السقطات والبحث عن النواقص، أو هكذا يُفترض أن يكون. البعض يرى أن النقد يُظهر المحاسن ويُشيد بالإبداع والتميز ويتوقف ليتأمل الكمال، ويتذوق الوهج، ويرشد الناس إلى ما يخفى عليهم من مميزات. والحقيقة أن هذه ليست وظيفة النقد، وأيضاً ليست وظيفة النقد الهدم ولا التدمير ولا الانتقاص؛ بل هو معيار يوجه نحو الأفضل، هو بمثابة برج عالٍ وظيفته أن يصل بك إلى الكمال والتميز والإبداع. وفي كل فعل وممارسة بشرية عامة، يجب أن يكون للنقد صوته وحضوره، ومن يرفض النقد أو يرى أنه دون جدوى أو يؤثر فيه سلباً، فعليه ترك الساحة والتوقف، وهذا تماماً ما قاله بوضوح الكاتب والناشر والفيلسوف الأمريكي ألبرت هابرد: «لكي تتجنب النقد لا تعمل شيئاً، ولا تقل شيئاً، ولا تكن شيئاً».
وهذه الكلمات تعني ببساطة متناهية، أن النقد بديهية وحضوره إلزامي، ومع هذا نجد غياباً، هذا الغياب المسؤول عنه هو الرفض للنقد؛ مقاومته، عدم سماعه، وكأنه عدو ضد الإنسان، وهذا يدل على سوء فهم لوظيفة النقد ورسالته. فالنقد لا يقوم ولا ينطلق إلا من جزئية مهمة تتعلق بالكمال، وهو لا ينشد إلا التميز ولا يهدف إلا للنجاح المطلق، وبالتالي هو لا يعمل إلا على رؤية المشروع الهابط أو الذي فيه خلل، أو الذي يعاني علة ما، تعيق التطور.
وهذه الجزئية أشار إليها المفكر والفيلسوف النمساوي لوفيج فون ميزس عندما قال: «النقد العلمي ليست له مهمة أنبل من تحطيم المعتقدات الخاطئة».
هذا هو النقد لا يقوم ولا يقوى إلا على المتواضع، على المتهلهل من المشاريع أياً كان نوعها وهدفها، وهذا جانب يوضح عمومية العملية النقدية، وأنها شاملة لمختلف تفاصيل حياتنا، فهو ليس حصراً أو حكراً على الأدب والكتابة والتأليف؛ بل هو شامل في العلوم والعمران والهندسة بصفة عامة، والتقنية والمهام الحياتية الآنية والمستقبلية. وكما قال الشاعر والناقد الألماني المتوفى عام 1856 هاينرش هاينه: «من يقدر النقد هو الوحيد الذي يستفيد من المديح».
احتفوا بالنقد ورحبوا به، فهو داعم ومحرك للإبداع والجودة ولا يطلب أجراً ولا مكافأة.

Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here