تقارير

لسان أم الدنيا

المصدر

يوسف أبو لوز

لا أعرف إن كان المصوّر والمترجم الإيطالي كارمينيه كارتولانو مقيماً إلى اليوم في مصر التي حلّ فيها في عام 1999 حيث كان يعمل مدرّساً للغة الإيطالية في القاهرة، أم أنه ترك «أم الدنيا» وعاد إلى بلاده بلسان شعبي مصري لا يختلف في إيقاعه ومذاق لهجته عن أي قاهري عتيق.
كارتولانو وضع كتاباً صغيراً خفيف الدم سمّاه «مصريّانو» وهو كتاب يوميات صدر عن «دار العين» للنشر في القاهرة، وقدّمه أشرف يوسف، المحرر العام في الدار، إلى القارئ بكلمات قليلة تغني عن دراسة مطوّلة مثل تلك التي «يجلدنا» بها أصحاب المصطلحات الكبيرة والتوصيفات «العابرة للثقافات». يقول يوسف بكل بساطة تماماً مثل بساطة كارتولانو إن «المصور الإيطالي في هذه اليوميات لا ينظر إلى مصر من عدسة السائح أو المستعرب الباحث عن موضوع مرتبط بالفولكلور، بل بعين المحبّ الذي يهضم ناس مصر الطيبين ولغتهم المتجددة الضاحكة ومن دون مصطلحات أو تنظيرات مجعلصة يبني «قاهرته» الرحبة».
الكتاب اللذيذ هذا جاء باللهجة الشعبية المصرية اليومية، والحياتية، والتلقائية، لهجة ميدان التحرير، وسوّاقي التاكسي، والزحمة، لهجة نسيم النيل، وصخب المقاهي والأوتوبيسات، والناس الكادّة ليل نهار، ولهجة من هم تحت خط الفقر وفوق هذا الخط الذي لا يُعرف من رسمه وفي أي بلد.
تعلّم كارمينيه كارتولانو صناعة النكتة بالفطرة و«على الواقف» كما هي حال الإنتاج «الوطني» اليومي للضحك في مصر، فهو يسأل: لو مصر أم الدنيا، مين أبوها؟ ويترك سؤاله الفكاهي الذكي هذا معلّقاً وحيداً في صفحة كاملة، ثم بعد عدد من الصفحات يقول «ولو كان فيه أب.. هيرجع إمتى؟»، وبعد صفحات أيضاً يقول «ولو كان فيه أب، مش هيرجع بقى»، ثم بعد صفحات يقول «لو مصر أم الدنيا، يا ترى أتجوّز عليها؟»، ثم في مكان آخر يقول «ولو كان فيه أب.. سابها ليه؟».
هكذا حوّلت القاهرة هذا الإيطالي «المصوّراتي» إلى عادل إمام إيطالي بنموذج مبسط ومكثف جعل من عبارة «مصر أم الدنيا» حكاية ناعمة.
عاش الروائي الأردني غالب هلسا في القاهرة نحو خمس سنوات، وحين التقيته في دمشق في الثمانينات كان يتكلم بلهجة مصرية، ومثلما عرف ياسر عرفات في العالم بكوفيّته المرقطة بالأبيض والأسود عرف أيضاً بلهجته المصرية في المحافل العربية والدولية، وقسطنطين كفافي حوّلته مصر من شاعر يوناني إلى شاعر إسكندراني، والفنان نجيب الريحاني أضحك ملايين العرب بلهجته المصرية وليست العراقية حيث أصوله الكلدانية، وعبد السلام النابلسي أصوله فلسطينية وميلاده لبناني، لكن لسانه مصري، وباللهجة المصرية أضحك الملايين.

yabolouz@gmail.com

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here