أرشيف

غرائز الانحطاط

المصدر

يختار الإنسان الواعي دروب الارتقاء ومسالكه تمدناً ورقياً، ويتحرز من ملوثاتها الواقعية، إلا أن هذا لا يكفي في وقت الانفتاح الافتراضي بعوالمه وشخوصه المتحورة أو ما يسمى "السوشال ميديا" وبالأخص منبر السعوديين الأول "تويتر" حيث انتفاء العصمة وكثير من الإسقاطات.
واعذروني على العنوان المستعار من سيد المطرقة "نيتشه" لوصف الانحطاط الأخلاقي بحجة الدفاع عن القيم دينية كانت أو عرفية، والردود التي تضج بأسوأ النعوت والدعوات على من يناوش "التابوهات" فضلاً عما يكسره حراس الفضيلة والأخلاق في دفاعاتهم المستميتة لما تربوا عليه وهم ينحدرون نحو الغرائز المتوحشة المنبعثة من رماد الموت بظلمة الكهوف وخطابات الكراهية والعنف والتعصب ضد من يخالفهم بذريعة حماية الدين وأخلاقه!
وإلا فما معنى أن تدافع عن حجاب المرأة – مثلا – بينما تخلع الأخلاق في ردودك على من يخالفك؟! مع أن المرأة هي صاحبة القرار فيما ترتدي أو هكذا يفترض أن يكون.
نظام الوصاية الأخلاقية عند من يرفعونه أو يتصورون أنفسهم يخوضون حروبه مستباحٌ فيه التلوث لحماية الأفكار التي يتبنونها أو يرونها ذات قدسية.. فحتى تدافع عليك أن تتلبس البذاءة في الرد على مخالفك، ويبدأ التراشق من الطرفين سخرية وتهميشاً مع كثير من "التلطيش" مبقين على فئة أكثر اتزاناً تراقب الوضع بأسف على الأخلاق التي لطالما تغنينا بامتلاكها وكشفت العوالم الافتراضية زيفها.
هذه الفئة لم يبق أمامها إلا تسجيل موقف معارض لكل هذا الغثاء.
لست ضد الاختلاف فكراً ورأياً، فمن حق الفرد أن يعترض على ما لا يتوافق مع قناعاته، كما أن له الحق في أن يشيد حولها الحصون، بل هي حقوق مدنية له كفلها القانون وأيدتها الأديان، فقد خلقنا لنتكامل باختلافاتنا وأفكارنا.. إلا أن الارتقاء في تحويل غرائز الكراهية والعنف إلى الحب والمشاركة وتقبل الآخرين هو ما يجعلنا أكثر تمدناً لتمثيل بلد يسير بخطى وثابة نحو مصاف التقدم والازدهار أفراداً ومؤسسات من أجل رؤية شاملة وخير يعم الجميع.
علينا أن نكون أكثر تسامحاً وتحملاً لبعضنا بعضا، نغض الطرف عن المناوشات اللا مجدية، فليس كل ما يثار يستحق أن تراق على جنباته الدماء، ولو كانت بالكلمات والأضغان والتحريض، ولنتذكر دوماً أن هناك أعداء للوطن يتربصون الأخطاء وينعقون بالشؤم لكل ما يمت لهذا الوطن بصلة.
ختاماً، للأخلاق نوازع تربوية وضمائر نفسية قبل أن تكون دينية.
عبّر.. احترم.. واختلف كما تشاء، ولا تشمت بنا الأعداء!.
Next Page >Original Article

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here