تقارير

سلام في السودان

المصدر

علي قباجه


أخيراً، طوى السودان صفحة مظلمة من تاريخه، بعدما وقّع اتفاق سلام في جوبا، أنهى عقوداً من الحرب الأهلية الدامية التي قتلت وشردت الملايين. اتفاق السلام ضم في فصوله خريطة طريق مفصلة لبدء إدارة البلاد بخطط رشيدة، تنهي آثار الحرب المدمرة على المدى القريب والمتوسط، والتي كانت مشتعلة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.

فعلت حسناً الحكومة الانتقالية باتباع نهج المصالحات مهما كلف ذلك من ثمن، لإنهاء جبال من المآسي كانت تؤرق السودانيين، الذين خرجوا جموعاً وفرادى لقول كلمتهم ضد نظام البشير الذي أذاقهم الويلات على مدى ثلاثة عقود. فالحكومة رغم المعوقات المتراكمة لعشرات السنين، أعلنت عن أهداف عشرة لإنجازها خلال الفترة الانتقالية قبل تسليم البلاد لسلطة منتخبة، كرسالة حسن نية للسودانيين الذين قدموا سيلاً من دمائهم لتحرير بلادهم من الفساد الذي ظللهم ردحاً من الزمن، وأبرز الأهداف كان تحقيق السلام المستدام، ووقف الحرب، ومعالجة أزمة الاقتصاد خاصة ارتفاع الأسعار، ومحاربة الفساد، وتعزيز دور المرأة، وتكوين لجنة مستقلة للتحقيق في قمع المتظاهرين، إضافة إلى إصلاح أجهزة الدولة، وتنظيم العلاقة بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات ووضع سياسة للعلاقات الخارجية، مع مراعاة استقلالية رأي السودان ومصالحه، والاهتمام بالصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية والبيئة والاتجاه إلى التعامل إلكترونياً.

وبالفعل، بدأ تطبيق الأهداف من لحظة توقيع الاتفاق، الذي ارتقى مبدئياً إلى مستوى مطالب الشعب، الطامح إلى الولوج في نهضة حقيقية قوامها المشاركة والعدالة الاجتماعية، فالسلام الذي لاقى دعماً إقليمياً ودولياً، عالج العديد من القضايا الإشكالية التي تسببت في تقسيم البلاد وتشظيها، أهمها: ملكية الأرض وتقاسم الثروة وعودة النازحين الذين هجرتهم الحروب، ومنح الفصائل المسلحة وتمثلهم «الجبهة الثورية السودانية»، التي تضم خمس حركات مسلحة وأربع حركات سياسية، ثلاثة مقاعد في مجلس السيادة وخمس حقائب وزارية في مجلس الوزراء لقادة الفصائل المسلحة، ومنح حكم ذاتي لجنوب كردفان والنيل الأزرق، والاستناد إلى نظام فيدرالي يضم 8 أقاليم، ووقف القتال وجبر الضرر واحترام التعدد الديني والثقافي، وإصلاح المؤسسة العسكرية ودمج الحركات المسلحة في الجيش.

رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، لم تمنعه قرقعة السلاح الذي رفعه جزء من شعبه للمطالبة بحقوقه المهدورة، من الجلوس مع قادة المسلحين، لبث الطمأنينة لديهم، والتعهد بإنهاء حرب الحكومة تجاههم، ومحاسبة من همشهم، بل وإشراكهم في السلطة، إضافة إلى التعاون معهم في معركته ضد الفساد والسير في عجلة الإصلاح، التي تضع فلول النظام السابق العصي في دواليبها.

حسن نوايا أرسلتها الخرطوم على الصعيد الداخلي، بأن الجهود الآن ستوجه نحو البناء، مع استبعاد صرف الطاقات على مناكفات لا طائل منها، فعامل الوقت لم يعد يسعف الحكومة المُطالبة بفعل الكثير لوضع السودان في مساره الصحيح، فالتحديات كثيرة، في ظل تراجع الاقتصاد المكبل بالعقوبات.

ويقع على عاتق الحركات المسلحة دعم التحركات الإيجابية والاصطفاف إلى جانب الحكومة لتنفيذ ما اتفق عليه بجوبا، وإثبات حسن النوايا للشعب الذي وضع ثقته فيهم، وعدم إفلات هذه الفرصة الثمينة من أيديهم، لأنه بتضييعها فإن مستقبل البلاد سيكون في خطر محدق.

aliqabajah@gmail.com

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here