أرشيف

دوامة الحزن

المصدر

حين تتعرض النفس للأذى والنكسات ويسيطر اليأس عليها يكون من السهل الاستسلام للمآسي والانشغال بسرد القصص السلبية والمحبطة، وتكمن براعة الأفراد في الخروج من تلك الدائرة المظلمة والبحث عن المنافذ والطرقات للنجاة من تلك الأزمات النفسية والانغماس مرة أخرى في حياة ملؤها الإيجابيات والتفاؤل. إن الاستسلام للأزمات واليأس والحزن يمكن أن يلحق بالنفس البشرية ضررًا أشد من تلك التي تفعلها الزلازل والبراكين والتي يكون معظم ألمها جسديا لا نفسيا. أما الأضرار النفسية فهي التي تؤثر في العقل وتحد من قدراته وتجعله مكبلا ضمن قيود الإحباط واليأس. إن العقول في حالات الحزن والخسارة لا تحكم على الأمور بشكل جيد ولكنها تنظر إلى كل شيء من خلال غشاء ضبابي يجعلها ترى الحياة بغير حقيقتها وتفهم الناس بغير ما هم عليه.
تلك امرأة فقدت ابنها في حادث سير، وذلك خسر أباه في معركة الحياة مع كورونا، وآخر بترت قدمه بسبب داء السكري، وأخرى فقدت ابنها روحا لا جسدا فقد أصبح مدمنا على المخدرات غير قادر على تمييز ما حوله. كل هذه الظروف قد تجعل الشخص في مرحلة من الجمود والانغلاق على نفسه وعدم القدرة على الاستمرار بالحياة وهذا ما يعرف علميا بدوامة الحزن أو الخسارة الغامضة كما تعرفها عالمة النفس بولين بوس. والخسارة الغامضة هي نظرية حول الخسائر النفسية المدمرة والتي يجب أن يتم نشر الوعي والمعرفة للتعامل معها ولتجاوزها. وتقسم بولين بوس الخسائر الغامضة إلى نوعين الأول يكون الشخص حاضرا جسديا ولكنه غائب نفسيا كما هو الحال في خرف الكبار وإدمان المخدرات للأبناء والنوع الثاني عندما يكون الشخص غائبا جسديا ولكنه موجود نفسيا كما هو الحال في عمليات الخطف والانتقال للعمل في مكان بعيد والانفصال العاطفي أو الطلاق أو السجن. ويدخل من يتعرضون لهذا النوع من الخسارة لأعراض اليأس والقلق والاكتئاب والغضب وعدم الالتزام بأعمالهم وقطع العلاقات بالآخرين والانطواء. ورغم الدعم الذي قد تعطيه الأسرة والأقرباء إلا أنه قد يكون غير كافٍ للخروج من هذه الأزمة، وكما تقول بولين بوس إن الخسارة الغامضة قد تتعدى الحلول وتخلق ارتباكا طويل الأمد وتجعل عملية الحزن جامدة لا تذوب. ولتجاوز هذا النوع من الخسارة قد يحتاج الشخص إلى استشعار حقيقة الإيمان بالقضاء والقدر وعدم الانغلاق على النفس والانفتاح للحديث مع الأصدقاء والأقرباء الذين يثق بهم. وعليه أن يتذكر أنه ليس الوحيد الذي قد يتعرض لهذا النوع من الخسارة وأن الوقت كفيل بتخفيف حدة الألم والأضرار الجانبية لتلك الخسارة. ويحاول أن يخرج من وضع الاستسلام إلى المبادرة في مساعدة ومشاركة الآخرين الذين قد يتعرضون لنفس الخسارة.
وأخيرًا علينا ألا نسقط من حساباتنا قاعدة النهوض بعد السقوط والكفاح وبذل الجهد وإلا سنظل على هامش الحياة مكبلين بالخسارة والأحزان وأن نتذكر أن الإيمان الحقيقي قادر على دفع الشخص إلى الخروج من دوامة الحزن والتخلص من تبعات الماضي والتركيز على الغد والمستقبل.
Next Page >

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here