تقاريرعربي ودولي

تساؤلات عربية بعد عودة سوريا إلى الجامعة

المصدر

فقرتان معنيتان بسوريا بعد إعادة عضويتها إلى الجامعة العربية؛ فقد رحبت الفقرة الثالثة من الإعلان بعودتها، آملةً أن “يحافظ ذلك على وحدة أراضيها واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي… ومساعدة سوريا على تجاوز أزمتها اتّساقاً مع المصلحة العربية المشتركة”. كما شدّدت الفقرة الخامسة على “وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية والرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلّحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة”.
لقد وضع الواقع الدولي وحيثيات الحرب الأهلية السورية العالم العربي أمام خيارين: أولهما مقاطعة الأسد بشكل دائم والسماح للهيمنة الإيرانية على سوريا بالاستمرار في النمو. وفي غضون ذلك فإن العزلة الدبلوماسية إلى جانب حصار مالي فرضته عقوبات الولايات المتّحدة ستمنعان ولادة سوريا جديدة أو إعادة إعمارها، ومعهما ستستمر معاناة الشعب السوري.
الخيار الثاني، هو إعادة العلاقات مع نظام الأسد وإن على مضض، وبذل المحاولات لإيجاد مساحة تتيح المواجهة مع النفوذ الإيراني المستشري في الداخل السوري. فهل ما زالت تتوفر في سوريا الشروط اللازمة لنجاح الخيار العربي؟ بمعنى آخر: هل تبقّى لدى النظام مساحة من الاستقلالية تتيح استعادته من طهران؟ وهل استند الخيار العربي إلى فرضية خاطئة؟

وبغض النظر عن مقدار الدعم العربي الذي سيتمتع به الرئيس الأسد، فهو لن يقدم على الطلب من إيران سحب ميليشياتها من سوريا، وهو ما تعتبره طهران مسألة وجودية بالنسبة لها، فبقاء الميليشيات هو ضمان لعدم عودة سوريا إلى حضن خصومها. وقد سبق لمسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى أن وصفوا سوريا بـ”المقاطعة الخامسة والثلاثين” الإيرانية، للتأكيد على أنهم يضعون النشاط المناهض لإيران في سوريا على قدم المساواة مع الاضطرابات الداخلية، وقد عبّروا في أكثر من مناسبة أنهم لا يثقون بقدرة الأسد في السيطرة على البلاد من دونهم.

بالإضافة إلى ذلك، استثمرت إيران في سوريا الكثير من الدماء والأموال ومن رصيدها السياسي، ولقد تحمّلت الميليشيات التابعة لها منذ عام 2012 العبء الأكبر في محاربة قوات المعارضة والسيطرة على الأرض، في حين كان للجيش السوري بحكم الانشقاقات دور رمزي وثانوي. وفي هذا الإطار تصبح فرص نجاح عودة سوريا- التي تطرحها اليوم جامعة الدول العربية- محدودة في المدى القريب، إذ لم يتبق سوى القليل من سوريا المستقلة للعمل معه، كما أنه لا يمكن للتدخل العربي أن يعالج هذا القصور لأنه سيصنف في خانة التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد على غرار الدور الإيراني. 

يدرك الرئيس الأسد هذا الوضع تماماً، ومن غير المرجح أن يقدم على مغامرة الانفصال عن إيران أو تقويض مصالحها. فلدى طهران كثير من الخيارات في التعامل مع حالات مماثلة لا سيما في ظلّ هيمنتها على سوريا وقدرتها غير المحدودة على إشعال بؤر التوتر في كامل الجغرافيا السورية وتركيب معارضات داخل النظام بما يقيّض أكثر فأكثر سلطة الأسد وبما يتيح المجال لتكرار النموذج الحوثي مع علي عبد الله صالح في اليمن كخيار أخير.
لقد اعتمدت الجامعة العربية سياسة “خطوة مقابل خطوة” حيال سوريا، وأعطت الأولوية للمساعدات الإنسانية للشعب السوري، وإعادة الإعمار، فهل سيؤدي ذلك إلى تكرار النهج القديم الذي اعتمد مع لبنان، والذي فشل في تحقيق أي نتائج بسبب الطبيعة التقليدية والمقيّدة للسياسة اللبنانية المنقسمة على ذاتها. فلقد استغل “حزب الله” الاستقرار الذي وفرته المساعدات الخليجية لبيروت لينمو داخل لبنان، ويمكن توقّع الأمر نفسه في سوريا بعد دخول مساعدات الإعمار إلى البلاد ومباشرة استفادة الشركات الإيرانية وقوى الأمر الواقع منها.
من جهة أخرى، لا يمكن الرهان على روسيا في الحدّ من سيطرة إيران على سوريا، فذلك يتطلب منها مزيداً من الانغماس في الحرب ومواجهة خصم أعتى من المعارضة السورية. لقد سبق للقوات الروسية أن تراجعت مراراً وتكراراً عن مواجهة إيران ووكلائها قبل تورطها في أوكرانيا، كما أن شروع موسكو في هذه المهمة يبقى رهناً بتأمين مصالحها وهي بقاء الأسد والحفاظ عليه كحليف، واستمرار وجود قواعدها العسكرية. وتتفاقم عبثية الرهان على روسيا في المساهمة باستعادة استقلالية الأسد بسبب الأعباء التي تلقيها الحرب في أوكرانيا، إذ سيتعيّن على موسكو حينها تحويل قواتها البرية بعيداً عن الحرب التي تعتبرها وجودية في مواجهة الغرب لمواجهة طهران التي أضحت الحليف الذي لا غنى عنه.

قد يكون فيما قاله المبعوث الأممّي إلى سوريا “غير بيدرسون”، حول ما سماه “اللحظة الفارقة” التي تمرّ بها سوريا- أن جميع الدول تدعم مقاربة “خطوة مقابل خطوة” التي تتضمن اتّخاذ جميع الأطراف لإجراءات متوازية ومتبادلة يمكن التحقق منها- ما يستحق التوقف عنده. بيدرسون الذي أشار إلى “وجود انقسام في المجتمع الدولي إزاء كيفية التعاطي مع سوريا، أكد على أهمية التوفيق بين المبادرة العربية ومسار موسكو الذي يضم روسيا وإيران وتركيا والحكومة السورية، والموقفين الأميركي والأوروبي، للمضي قدماً نحو إيجاد حل سياسي، فجميع المبادرات مهمة، لكن ما يجب أن نراه هو المزيد من الانخراط الدولي ورؤية شاملة لما هو مطلوب تغييره في سوريا”.
ربما يتيح تضافر المبادرات الدولية ومنها مسار موسكو المزيد من الضمانات لتوفير فرص نجاح للمبادرة العربية. فإعادة العلاقات مع سوريا لن تخفف من معاناة السوريين الرازحين تحت وطأة نظامه، كما أن عدم وجود آليات ملزمة لتحقيق ما ورد في “بيان جدة” حول “وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية والرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلّحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة”، سيعود بالفائدة ليس على النظام السوري فحسب بل على الجمهورية الإسلامية في إيران التي تسيطر عليه وتبقيه في القصر الرئاسي.

خالد حمادة

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here