أرشيف

الهجرة في اليابان

المصدر

تأليف: غراسيا ليو فارير

عرض وترجمة: نضال إبراهيم

يبدو أن ارتباط اسم اليابان كبلد يستقبل المهاجرين وكأنه متناقض مع ما نعرفه عنها؛ لكن تظهر مؤلفة الكتاب غراسيا ليو فارير، أن اليابان بلد مهاجر في الواقع؛ حيث يقضي فيها ملايين المهاجرين حياتهم، ويتعاملون مع توترات الانتماء في هذا البلد العرقي القومي، كما تناقش الجوانب السياسية والاقتصادية والنفسية في اليابان، والتغيرات على قوانين الهجرة منذ الثمانينات.

تسلط غراسيا ليو فارير الضوء على حياة المهاجرين؛ من خلال استحضار النظريات الاجتماعية والجغرافية والنفسية، ومعاينة مسارات حياة المهاجرين من خلفيات متنوعة. وتتساءل: لماذا يريد الناس القدوم إلى اليابان؟ كيف يتناسب المهاجرون الذين لديهم موارد مختلفة وملامح ديموغرافية مع المشهد الاقتصادي؟ كيف يروي المهاجرون الانتماء إلى بيئة يكونون فيها «الآخر» في وقت تزداد فيه سهولة التنقل والانتماء بشكل متزايد في العالم؟

يقع الكتاب في تسعة فصول بعد مقدمة بعنوان: «اليابان كمجتمع مهاجر عرقي قومي»، والفصول هي: الهجرة إلى اليابان، قنوات الهجرة وتشكيل النطاقات الإثنية للمهاجرين، العمل في اليابان، نسج شبكة الحياة في اليابان، المغادرة والعودة، الوطن والانتماء إلى مجتمع إثنو- قومي، أبناء المهاجرين: التنقلات التعليمية، النشوء في اليابان: رحلات الهوية، وتختم المؤلفة الكتاب بخاتمة تحت عنوان: «حقائق وتحديات ووعود اليابان المهاجرة».

سياسات الهجرة

تجنبت الحكومة اليابانية بشكل مدروس تحديد سياسة «الهجرة»، على الرغم من أن بعض الباحثين بدأوا يطلقون على اليابان دولة هجرة ناشئة؛ «لأنها اتخذت» خطوات لوقف سياسة الهجرة الوطنية. في 28 يناير/كانون الثاني 2016، رد رئيس الوزراء شينزو آبي، في جلسة البرلمان الوطنية، على استفسارات حول ضرورة زيادة استيراد العمالة الأجنبية؛ بسبب نقص العمالة من خلال التأكيد مرة أخرى على «أننا لا نتبنى ما يُسمى بسياسات الهجرة». علاوة على ذلك، لا يبدو أن صورة اليابان تتطابق مع صورة دولة مهاجرة، فهي دولة جزرية متجانسة وفريدة من نوعها من الناحية الثقافية، ويكمن جزء من إغراء اليابان في تميزها.

ومع ذلك، أصبحت اليابان دولة مهاجرة بحكم الواقع. ابتداءً من الثمانينات، تجنباً للتدهور الاقتصادي الناجم عن نقص العمالة وباسم التدويل، جربت اليابان برامج مختلفة لجلب العمال الأجانب. على سبيل المثال، غيّر قانون مراقبة الهجرة لعام 1989 والاعتراف باللاجئين إجراءات قبول المهاجرين بشكل جذري، وأضاف عشر فئات جديدة من الأشخاص الذين يمكن اعتبارهم من المؤهلين للحصول على وضع المقيم.

في عام 2012، أصبحت اليابان واحدة من أكثر الدول ليبرالية في سياساتها لمنح إقامة دائمة للمهاجرين من ذوي المهارات العالية. في 8 ديسمبر/كانون الأول 2018، أصدر النظام قانوناً آخر لإصلاح الهجرة وللمرة الأولى في تاريخ ما بعد الحرب يسمح للأفراد بدخول اليابان كعمال يدويين غير معتمدين. وبعبارة أخرى، على مدى العقود الثلاثة الماضية، فتحت اليابان بابها على نطاق أوسع. وعملت أيضاً على تشجيع العمال والطلاب وتوظيفهم وإقناعهم للقدوم إلى هذا البلد.

ونتيجة لذلك، ظل عدد الأجانب يرتفع خلال العقود الثلاثة الماضية ومن المرجح أن يزداد بشكل كبير في المستقبل القريب. يوفر القانون الياباني للناس في معظم فئات الدخول هذه مساراً للحصول على الإقامة الدائمة والتجنس. في عام 2018، من أصل 2.6 مليون أجنبي، كان أكثر من 1.18 مليون إما من المواطنين أو من المقيمين الدائمين بحالة خاصة. علاوة على ذلك، أصبح أكثر من أربعمئة ألف شخص من المواطنين اليابانيين منذ عام 1980.

فلماذا يتردد كل من الحكومة اليابانية والشعب داخل اليابان وخارجها في قبول خطاب الهجرة وواقع تحولها إلى مجتمع مهاجر؟ تقول الكاتبة: «أعتقد أن هذا التردد له علاقة بالهوية الذاتية القومية العرقية لليابان والأساطير المنتشرة المحيطة بأمتها ذات العرق الواحد من جهة، والتعريف التقليدي ل«البلد المهاجر»، وصعوبة ارتباط الناس به؛ كونه يعد بلداً بعرقية – قومية واحدة من جهة أخرى».

اليابان العرقية – القومية

ترى الكاتبة أن هذه المقاومة تجاه الهجرة، قبل الثمانينات في الممارسة الفعلية ومنذ ذلك الحين مجرد خطاب، يعكس صراع اليابان مع هويتها الذاتية العرقية القومية. تعرّف اليابان نفسها على أنها أمة تأسست على أيديولوجية الأصل المشترك. لم يكن لدى اليابان مثل هذا الفهم الذاتي العرقي الموحد قبل حركة التحديث المعروفة باسم ميجي 1868، التي ركزت على تقاليد الأسرة المترابطة والدولة والإمبراطور والرموز المادية ذات الصلة والمواقع التذكارية؛ من أجل إنشاء وحدة الدولة القومية والعلاقة الجديدة بين الحاكم والمحكوم. إن النقاء العنصري والتجانس الثقافي هما محور الخطابات العرقية – اليابانية. في الأغلب يشار إليها باسم خطابات «نيهونجينرون» (Nihonjinron) في اليابانية.

تؤكد هذه الخطابات أن السمات البيئية لليابان – أي القيود الجغرافية للعيش على سلسلة من الجزر واقتصاد الكفاف في اليابان (زراعة الأرز الرطب)، أدت إلى تكوينها الاجتماعي الخاص، والممارسات الثقافية، والعقلية الوطنية. في الفترات التاريخية المختلفة، أدت المواقف النسبية بين اليابان والدول الأخرى إلى تغييرات لاحقة في الخطابات. يمكن ملاحظة التركيز على الضعف الياباني مقارنة بالغرب خلال فترة ميجي ومرة ​​أخرى خلال العقود الأولى من حقبة ما بعد الحرب. من ناحية أخرى، «عندما تحدد اليابان نفسها في موقف قوي، كما في ثلاثينات وثمانينات القرن العشرين، يحدد نيهونجينرون بشكل إيجابي هوية اليابان، ويصبح أداة قومية تدفع اليابان نحو مجتمع أكثر انفتاحاً وشمولاً.

باختصار، الخطاب العرقي القومي هو سبب رئيسي في تردد اليابان تجاه الهجرة. في أذهان معظم الناس، اليابان مجتمع أحادي العرق، ويجب أن يكون كذلك. ومع ذلك، فإن هذه الهوية العرقية – القومية لا تعني الرغبة في الانغلاق. يمكن حتى للمجتمع العرقي القومي أن يرحب بالمهاجرين، على الرغم من أن هذا الترحيب يقوم على الفهم الضمني للاختلافات الجماعية الأساسية، وعلى حقيقة أنه سيكون هناك دائماً جدار غير مرئي يفصلنا عنهم، حتى عندما يكونون بيننا. توضح تجارب المهاجرين في اليابان الموصوفة في هذا الكتاب أن هذه الهوية العرقية- القومية هي أصل العديد من المعضلات المؤسسية والاجتماعية في اليابان في مسألة التعامل مع الهجرة.

علاوة على ذلك، هو شيء داخلي من قبل المهاجرين أنفسهم أيضاً. على العموم، في عصر التنقل العالمي هناك أيضاً حاجة إلى محاربة الصورة النمطية ل«الدولة المهاجرة». في كل من الخطابات الرسمية والروايات الفردية، يبدو أن البلدان المهاجرة تمثل فئة معينة من الدول القومية، تلك التي أنشأها المستوطنون الذين استعمروا الأراضي، مثل: الولايات المتحدة وكندا وأستراليا. عادة ما تصدر هذه الدول «تأشيرات الهجرة» التي تحدد الغرض (المفترض) للمرء من الاستيطان الدائم. على سبيل المثال، يقسم قانون الهجرة الأمريكي التأشيرات إلى نوعين؛ المهاجرين وغير المهاجرين. يشير الوصف ب«المهاجرين» حصرياً إلى أولئك الذين يصلون إلى حدود الولايات المتحدة ب«تأشيرات الهجرة». وبالتالي، فإن المتقدمين من جميع أنحاء العالم في الأغلب يحرمون من تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة على أساس أنهم يبدون نية للهجرة؛ نظراً لتاريخ بناء الدولة والأطر القانونية هذه، يُنظر إلى دول مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا على أنها مختلفة تماماً عن دولة مثل اليابان أو الدول الموجودة في آسيا وأوروبا؛ حيث لا تعد الهجرة جزءاً في التاريخ الوطني.

الإنكار والبراغماتية والانتماء

تذكر الكاتبة أن التمسك بالهوية العرقية- القومية لا يعني رفض الهجرة، ومع ذلك، فالهجرة في الأغلب تظل من المحرمات في الخطابات السياسية. وتصبح لعبة دلالية بيد السياسيين في اليابان.

وتعلق الكاتبة: بسبب إحجامها عن الاعتراف بواقع الهجرة بعد فترة طويلة من حدوثها، في الأغلب يتم العثور على العديد من المؤسسات في اليابان – من التعليم ونظام التوظيف إلى البنوك وسوق الإسكان والعديد من الإجراءات الإدارية الكبيرة والصغيرة – غير مجهزة للتعامل مع احتياجات وتوقعات السكان المهاجرين. على سبيل المثال، على الرغم من حماسها الظاهري تجاه المواهب العالمية، لا تزال اليابان تحاول تحويل المواهب العالمية إلى يابانيين. في المدارس اليابانية، «نحن اليابانيون لا نزال نمثل معياراً قياسياً، وفي الحالات القصوى يقدم بعض الآباء دروساً في الإنجليزية لطلاب الصف الثالث خوفاً من تعريض قدرة الأطفال على تعلم لغتهم الوطنية للخطر».

لأن الهجرة تحدث إلى حد كبير من دون أن يتم الاعتراف بها رسمياً على هذا النحو، يهدف جزء كبير من الكتاب إلى توضيح هذا الأمر، وترى أن «أفضل طريقة في أن تصبح مهاجراً هي الأفضيلة والواقعية. إن فكرة اليابان كأمة من عرق واحد، ودولة جزيرة، وبلد غير مهاجر له هوية ثقافية قوية تمتلك تأثيراً على توقعات وممارسات المهاجرين.

يميل المهاجرون إلى التعبير عن عدم وجود نية مسبقة للاستقرار، وعادة ما يتخذون نهجاً واحداً. يتوقف الاستيطان على نجاح كل خطوة من هذه الخطوات في مسار قانوني مقيد. علاوة على ذلك، يعتمد ما إذا كان المهاجرون يغادرون أو يقيمون أيضاً على مجموعة من الظروف الوجودية المباشرة، بما في ذلك الفرص الاقتصادية، ووجود أو عدم وجود ارتباطات عاطفية.

لا يعني كون اليابان غير مجهزة لاستيعاب المهاجرين بطرق عديدة أن المهاجرين غير قادرين على بناء علاقات دائمة مع هذا البلد. لا يزال المجتمع القومي العرقي بممارساته الثقافية والاجتماعية الخاصة به مناطق جذب خاصة به. اعتماداً على كيفية تفسير الأفراد للمفهوم الخاص، فإن بعض المهاجرين يعبرون عن شعور بالانتماء إلى المجتمع الياباني. ومع ذلك، تم استيعاب الخطابات في اليابان من قبل المهاجرين واستخدامها كإطار توضيحي لفهم تجارب الهجرة الخاصة بهم وكذلك هويتهم.

أصبح هذا حتماً عقبة عاطفية للمهاجرين لتعريف أنفسهم ضمن الأمة اليابانية. لا يظهر الصراع المستمر على الإدماج والاستبعاد على مستوى التحديد بين الجيل الأول من المهاجرين فحسب؛ بل بين أطفالهم أيضاً. وبعبارة أخرى، يجد المهاجرون صعوبة في تعريف أنفسهم بأنهم «يابانيون»، حتى مع وجود هوية متصلة. على سبيل المثال، قام المهاجرون الكوريون الذين عاشوا في اليابان لأجيال بتغيير موقع هويتهم تدريجياً، داعين إلى ذاتية جديدة للأجيال الشابة. ومع ذلك، فإن هذه الطريقة الثالثة؛ تشير إلى أن الجيل الثالث والرابع من المهاجرين الكوريين يعرّفون أنفسهم ب«مقيمين في اليابان».

ترى الكاتبة أن «الشعور بالانتماء هو شعور نفسي قوي. يتوق الناس من خلاله إلى الأمن، والارتباط، والاعتراف. في علم النفس الاجتماعي، يُعرّف الانتماء على أنه شعور خاضع للقيمة والاحترام منبثق من علاقة متبادلة مع مصدر خارجي مبني على أساس التجارب أو المعتقدات أو السمات الشخصية المشتركة. والانتماء دافع بشري أساسي، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالرفاهية الشخصية ويؤثر بشكل مباشر في ممارسات الفرد وأدائه في البيئة التي يعيشه فيها. إحساس المهاجرين بالانتماء هو نافذة في تجارب الهجرة وعلاقاتهم مع أماكن مختلفة وكذلك المجموعات الاجتماعية».

السؤال الأساسي في هذا الكتاب هو كيف يتخذ المهاجرون قرارات التنقل، ولماذا يختارون البقاء في اليابان وأنواع العلاقات التي يمكنهم تأسيسها داخل ومع هذا المجتمع «غير المهاجر»؟

نبذة عن الكاتبة:

* جراسيا ليو فارير أستاذة علم الاجتماع في كلية الدراسات العليا في دراسات آسيا والمحيط الهادئ، ومديرة معهد الهجرة الآسيوية، جامعة واسيدا، اليابان. وهي مؤلفة كتاب «هجرة اليد العاملة من الصين إلى اليابان»، وأيَضاً مؤلفة «دليل روتليدج للهجرة الآسيوية».

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here