أرشيف

المستطيل الأخضر والسياسة وتشابه المدرج

المصدر

اعتدنا فيما سبق أن الحديث عن الشؤون السياسية يكون مقتصرًا في دائرة عالم الساسة على المختصين في المجال، غير أن عالم شبكات التواصل الاجتماعي وتصاعد الأحداث السياسية زاد من رقعة دائرة المهتمين بالشأن السياسي. وهذا أمر لا إشكال فيه إذا كان المنضمون الجدد قدموا بمرتكزات واعية ونضج و(إدراك) واطلاع على الموضوع المراد الحديث عنه وقراءات تاريخية سابقة تجعل لديهم خلفية مرجعية.
لكن الواقع مختلف تمامًا فقد أصبح القادمون الجدد يتداولون الأمور السياسية بالتعاطي ذاته مع الأمور الترفيهية والرياضية وغيرها من المجالات الأقل تعقيدًا ويميلون لتسطيح في الفكرة وسذاجة في الطرح وسوقية في العبارة ومواقف حدية لا تقيس أبعاد الأمور.
فما يحدث في السجال السياسي الحالي في شبكات التواصل الاجتماعي أبعد ما يكون عن السياسة الناضجة بل لا يعدو عن كونه حديث (فتوات) وثقافة باب حارة واستفزاع تويتري بالأنصار، ومن ثم تبدأ وصلة الردح.
الحديث هنا ليس عن مصادرة حق الأشخاص في الدفاع عن أوطانهم بل على العكس نحن نشجع ذلك الحس الوطني واستغلال أي منصة أو منبر للدفاع عن الوطن، ولكن كي تكون مدافعًا حقيقيًّا عن وطنك لا بد أن تكون مطلعًا جيدًا ومدركًا لما تقول، والأهم من ذلك تستوعب النهج السياسي المتبع حتى تتسق معه وكي لا تكون أنت قنبلة موقوتة لأزمة جديدة. فكم من أزمات سياسية ولدت من رحم مماحكات شعبية وإسقاطات وشتائم لا واعية متبادلة ولنا في أزمة مصر والكويت مؤخرًا خير مثال على ذلك حين ظهرت صوت الحكمة من البلدين سياسيا غير أن (مراهقي السياسة) بشبكات التواصل الاجتماعي أشعلوا الفتيل وضربوا لحمة الترابط دون مراعاة لأي ثوابت سياسية.
التسطيح مؤخرًا ومع الأسف لم يعد مقتصرًا على العامة فكم من شخص متابع سياسي أنضج من الكثير من المحللين الذين قدموا ذواتهم بشكل لا يليق بالسياسة ولا بالتحليل ولا عن القضية المدافع عنها فكم من قضية عادلة أفسدها محام فاشل.
فكرة أن يذهب المحلل السياسي إلى أي لقاء ويكون نصب عينه استفزاز الضيف الآخر والسخرية من آرائه والتقليل الشخصي منه فقط بغية الحصول على رتويت وتفاعل وتصفيق جماهيري. والأسوأ من ذلك أن يتحول ذلك (النهج الطفولي) السياسي إلى مقومات ومعايير لبطل قومي يعتبر محللًا من الصفوف الأولى.
من مساوئ تلك الفئة أنها تفرخ نماذج (مهايطية) سياسيا تحت مسمى محللين، فالكل يريد أن يصبح محللًا بالنهج والطريقة ذاتها دون أن يكلف نفسه أدنى درجات المتابعة والاطلاع السياسي العميق فقط، يريد أن يدخل وصلة الردح ويبلغ مبلغه من الشهرة والتصفيق الجماهيري.
إن ذلك التسطيح قد يستغل من الأعداء فنجدهم يوجهون الدعوات لأولئك المسطحين للظهور الفضائي المستمر أو الحرص على دخول مناظرات معهم لتبيان ضعف الحجة لديهم ولإدراكهم أنهم يبحثون عن الجعجعة وشعبوية الآراء. ولعل أبرز إشكاليات تلك الفئة أن قواعدهم هشة فلا تجد أرضية صلبة معرفية أو حتى من التوجهات لديهم، فهم عشاق رتويت يتمايلون طربا معه، وبالتالي فتجد مساحات التناقض لديهم كبيرة.
يقول السياسي ونستون تشرشل إن السياسي الجيد هو ذاك الذي يمتلك القدرة على التنبؤ، والقدرة ذاتها على تبرير لماذا لم تتحقق تنبؤاته.
Next Page >

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here