تقارير

«المتوسط».. حرب أم أزمة؟

المصدر

فيصل عابدون

الحروب والأزمات السياسية لها مستويات من الشدة والخطورة، ويمكن قياس أهميتها عبر توصيفات تستند إلى طبيعة الأزمة والنزاع والحرب، والأهداف الكامنة وراءها، ودوافع القادة والزعماء الفاعلين لتسخين الخلاف أو تبريده أو المضي به للأمام نحو الحرب وتحريك الجيوش والقوات لخوض غمارها من أجل تحقيق أغراضهم وخططهم الموضوعة.

وبدأت الأزمة الحالية في منطقة شرق المتوسط بعيد قيام تركيا بنشر سفينة للتنقيب عن النفط والغاز مع مرافقتها البحرية، في المياه بالقرب من جزيرة كاستيلوريزو اليونانية التي تقول أثينا إنها تابعة لمياهها الإقليمية، كما نشرت أسطولها البحري في هذه المنطقة.

والحافز الذي يدفع لتحريك القوات العسكرية في هذه المنطقة هو احتياطات الغاز الهائلة التي تسعى أنقرة للسيطرة عليها عبر محاولة إخضاع حكومتي قبرص واليونان.

وما يحدث في شرق المتوسط حالياً هو أزمة سياسية تهدد بنشوب حرب، لكنها لم تتحول إلى حرب فعلية حتى الآن رغم التحركات الاستفزازية والتصريحات العنيفة والمظاهر العسكرية الظاهرة على المشهد. لكنها تثير قلقاً واسعاً بسبب الخطورة التي تنطوي على استمرارها كونها تستبطن السيطرة على مصادر الثروة، وتشابك المصالح والعلاقات بين أطرافها.

وإذا كان قياس شدة الزلازل وقوتها التدميرية يبدأ من الدرجة السابعة على مقياس ريختر، فإن الحروب تتدرج في المستوى صعوداً من مجرد مناوشات خفيفة متقطعة إلى مواجهات حدودية، وقد تكون حرب جبهات محدودة أو شاملة، وصولاً إلى الحرب الكبرى التي يسجل التاريخ البشري وقوعها مرتين في التاريخ المعاصر، وخلفت الثانية منهما 40 مليون قتيل على الأقل.

ويعلمنا التاريخ أن الأزمات السياسية نشطة أو خاملة تتدرج من مرحلة التراشق الكلامي وإطلاق التهديدات والتهديدات المضادة وصولاً إلى قطع العلاقات الدبلوماسية. وهي قد تكون أقصر الطرق إلى نشوب الحرب، لكنها قد تنتهي عبر مفاوضات ذات مصداقية وجهود وساطة مثمرة وفعالة، وبالتالي تتفادى الأطراف الحلول العسكرية. كما أن بعض الحروب يذكي أوارها أزمات مفتعلة من قادة يطمحون لتحقيق أطماعهم.

وقد يبدو للوهلة الأولى أن الأزمة الراهنة في منطقة شرق المتوسط تتعلق بدول المثلث الغارق في الخلافات وحدها (اليونان وقبرص من جهة وتركيا من الجهة الأخرى). وأن بقية الدول هي مجرد متفرجة أو مشاهدة أو وسيط. لكن الواقع يؤكد أن الفرقاء الذين ترتبط مصالحهم باستقرار هذه المنطقة الحيوية يعتبرون أنفسهم معنيين بفرض القانون في المنطقة أكثر من ذلك بكثير.

وفي واقع الأمر فإن تركيا تخوض مغامرتها وحيدة لا يساندها سوى أطماعها وطموحات قادتها. بينما يكشف تسارع التطورات أن صراع شرق المتوسط لن يكون ثلاثياً. وقد بعثت فرنسا رسائل صريحة إلى أردوغان عندما نشرت سفنها الحربية في المنطقة وأجرت مناورات عسكرية مشتركة مع اليونان. كما أظهر الاتحاد الأوروبي أنيابه وتحدث بخشونة عن حماية أعضائه ( اليونان وقبرص) والدفاع عنهم ضد كل اعتداء محتمل. وقد تكون هذه المواقف الصريحة وسائل ردع يمكن أن تحول دون انجراف الأزمة الحالية إلى طريق الحرب.

Shiraz982003@yahoo.com

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here