أرشيف

القوة اللاإنسانية

المصدر

تأليف: نيك داير ويثفورد، وأتل ميكولا كجوسن، وجيمس شتاينوف

عرض وترجمة: نضال إبراهيم

شهد الذكاء الاصطناعي تقدماً كبيراً في السنوات الأخيرة، ما أتاح إمكانية التعامل بشكل متزايد مع القدرات البشرية الخاصة بالإدراك والاستدلال. يستكشف هذا الكتاب السياسي في محتواه، والتكنولوجي ظاهرياً، العلاقة بين النظرية الماركسية والذكاء الاصطناعي؛ من خلال عدسات المفاهيم النظرية المختلفة؛ من بينها: فائض القيمة، والعمالة، والظروف العامة للإنتاج، والتكوين الطبقي، والفائض السكاني، ويؤكّد أن التحليل الأعمق للذكاء الاصطناعي ينتج صورة أكثر تعقيداً وإزعاجاً لمستقبل الرأسمالية.

على الرغم من أن الآلات كانت دائماً مركزية في التحليل الماركسي للرأسمالية، فإن الذكاء الاصطناعي هو نوع جديد من الآلات لم يكن ماركس يتوقعه، كما يقول المؤلفون. يجد هذا العمل بأنه في المسار الحالي، يمثل الذكاء الاصطناعي سلاحاً نهائياً لرأس المال، ويطرح رؤى عن الشيوعية والاشتراكية، ومما يرد فيه: «سوف يجعل البشرية مماتاً أو يحولها إلى نوع من البشر الرعويين الذين يعملون مقابل أجر حتى حدوث الموت الحراري للكون؛ وهو مصير لا يمكن تجنبه إلا من خلال الثورة الشيوعية».

يأتي هذا الكتاب الصادر بالإنجليزية في 224 صفحة من القطع المتوسط عن دار «بلوتو برس» في 15 يوليو/تموز 2019، ويضم بعد مقدمة بعنوان: «الذكاء الاصطناعي-الرأسمال»، أربعة أقسام؛ هي: 1- وسائل الإدراك، 2- أتمتة المصنع الاجتماعي، 3- الآلات المثالية، العمل اللاإنساني، الخلاصة: الذكاء الاصطناعي الشيوعي.

النضال عبر الحدود الرقمية

يشير العمل في تمهيده إلى أن «الأزمة والصراع يفتحان فرصاً للتحرّر. ففي أوائل القرن الحادي والعشرين، اتسمت هذه اللحظات بالكفاح الذي تم عبر الحدود الافتراضية والرقمية والفعلية والحقيقية. وتربط الثقافات والسياسة الرقمية بين الناس حتى أثناء وضعهم في توقيت واحد تحت المراقبة، وتسمح لحياتهم بأن تكون منجماً لأجل الإعلان».

تهدف هذه السلسلة من المقالات الموجودة في الكتاب إلى التدخل في مثل هذه الظروف الثقافية والسياسية. وهي تتميّز بالاكتشافات المهمة للأرضيات الجديدة وممارسات المقاومة، مما ينتج عنه استكشافات نقدية ومستنيرة لإمكانات التمرد والتحرير. تبحث الدراسات والأبحاث فيها عن الثقافات الرقمية والسياسة التي تتقصى آثار الرقمنة الواسع على العديد من الأدوات الثقافية، وقنوات الاتصال الجديدة التي تدور حولنا، والوسائل المتغيرة لإنتاج الأشياء الرقمية وإعادة مزجها وتوزيعها.

يميل البحث إلى التذبذب بين أجندات الأمل التي تدعي بشكل ملحوظ زيادة المشاركة، وأجندات الخوف التي تفترض القمع الموسع والتسليع. وتتداخل حجة هذا الكتاب بين ثلاثة انتقادات جدلية. يمكن أن نتوقف عند الأول منها؛ وهو نقد استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة لرأس المال، ويستتبع كل هذا الاستغلال والخروج من العمل المأجور للعمالة البشرية، وتركيز الثروة والسلطة الاجتماعية في أيدي أصحاب الشركات التقنية الكبرى.

يقول المؤلفون في هذا السياق: «إن تصوير الذكاء الاصطناعي كنتيجة لعملية البحث العلمي غير المعنية أمر ساذج. فذكاء الآلة هو نتاج ليس فقط لمنطق تكنولوجي؛ بل في نفس الوقت لمنطق اجتماعي، هو منطق إنتاج فائض القيمة. الرأسمالية هي مزيج من هذين المنطقين التكنولوجيين والاجتماعيين، وأصبح الذكاء الاصطناعي آخر تجسيد لدمجها الوهمي للحوسبة مع التسليع. انطلاقاً من التجارب الرقمية للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي، ظهر الذكاء الاصطناعي وتطور في إطار نظام اجتماعي اقتصادي يكافئ أولئك الذين يمتلكون وسائل أتمتة العمل البشري، وتسريع المبيعات، وتوسيع المضاربة المالية، وتكثيف سيطرة الشرطة العسكرية على اضطرابات السكان المحتملة».

ويضيفون: «ما هو واضح أن أصحاب الشركات الرقمية الكبرى ينظرون إلى الذكاء الاصطناعي كتقنية؛ ولسبب وجيه، هم الذين يمتلكون حقوق الملكية الفكرية، والميزانيات البحثية الهائلة، ووقت العمل لعلماء الذكاء الاصطناعي، والبيانات والمراكز التي تخزنها، وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية، والعلاقات مع جهاز تمكين الدولة التي هي من الشروط المسبقة لإنشاء الذكاء الاصطناعي. هم وكوادرهم الإدارية رفيعة المستوى في وضع يسمح لهم بزرع أهدافهم وأولوياتهم ضمن برامج وأجهزة الذكاء الاصطناعي، ووضع قيمهم وفق تصميمهم الخاص، وهو في الممارسة العملية، التوجيه الأول، لتوسيع فائض القيمة..».

يظهر الكتاب أن هناك تنوعاً مفاجئاً في الرأي حول استخدام الذكاء الاصطناعي بين قادة الشركات، بدءاً من احتضان متحمّس إلى التحذير المروع. ومع ذلك، فإن ما يتم مشاركته هو الاتفاق الضمني على أن هؤلاء هم الذين يتعين عليهم إملاء توجيه الذكاء الاصطناعي ليحددوا في مشاوراتهم وأحاديثهم مع المستويات العليا من الحكومة، ما الذي سيتم تبنيه، وما لن يتم تبنيه معهم، ومع التوازن بين المنافسة الحرة للشركات الحرة المصغرة والتنظيم الأخلاقي التحذيري وشبكات أمان السياسة لمنع حدوث أي عنف غير مرغوب فيه.

يعلق مؤلفو العمل: «سواء كان سيرجي برين يؤيد فكرة التفرد مع توحيد القوى الاحتكارية لشركته لتوجيهها، أو تحذير إيلون ماسك من كارثة الذكاء الاصطناعي أثناء بناء (أو محاولة بناء) مصانع مؤتمتة بالكامل لإنتاج سيارات ذاتية القيادة، أو بيل غيتس الذي قدّم خططاً ضريبية للروبوتات الضعيفة، بالتالي نجد أن عمالقة الذكاء الاصطناعي ليسوا أكثر أو أقل من تجسيد القوى المجردة لحساب السوق الذي يدفع نحو تعظيم الربح».

ويشيرون إلى أن «هؤلاء العمالقة يحجبون الغطرسة الضخمة للطبقة الرأسمالية التي تعتقد أنها تستطيع السيطرة على القوى التي أطلقتها». يستشهدون بما قاله ماركس في هذا السياق: «أخيراً – وهذا ينطبق على الرأسماليين أيضاً – هناك قوة لا إنسانية تحكم على كل شيء».

رأسمالية متحولة

يتحدث المؤلفون أيضاً عن دور الذكاء الاصطناعي في تقوية الرأسمالية قائلين: «تمتلك الرأسمالية اليوم سؤال الذكاء الاصطناعي. تأملوا في عمل شركة (Sanctuary Cognitive Systems) في فانكوفر، والتي تهدف إلى تطوير روبوتات بشرية يمكنها التحرك والتحدث والتفكير بنفسها والتفاعل – كأقران فكريين – مع أناس حقيقيين. مالكها جيوردي روز، رائد الحوسبة الحكومية يعترف في محاورة أنه على الرغم من أن اللبنات الأساسية لتحقيق هذا الهدف الذي يعد منذ السابق قيد الاستخدام العام في أنماط متعدّدة من الذكاء الاصطناعي الضيق والتطبيقات الروبوتية المتخصصة، فليست أي منها قريبة من الذكاء الاصطناعي العام، القادر على مضاهاة الإنسان بالكامل».

«مهمة شركة روز إطلاق العنان لكيفية عمل الذكاء البشري وتكراره على نطاق واسع؛ لذلك تبدو وكأنها قمر صناعي محير للعقل. ومع ذلك، فإن روز لا يردعه شيء؛ لأنه إذا نجح، فسيكون أكثر الأشياء المتأسسة قيّمةً على الإطلاق. ما نتحدث عنه هو تغيير أساسي في أساس الرأسمالية نفسها».

«ومع ذلك، فإن معظم الأجهزة الذكية تتصرف بشكل مخفي في خلفية الأنشطة على الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر؛ في نتائج محرك البحث، ومواقع التواصل الاجتماعي، وألعاب الفيديو والإعلانات المستهدفة؛ في قبول أو رفض طلبات الحصول على قروض بنكية أو مساعدات رعاية؛ في استفسار من مركز الاتصال أو استدعاء سيارة أجرة حسب الطلب؛ أو في مواجهات مع الشرطة أو حرس الحدود، مراجعة شاشاتهم المظللة. في هذه الحقول كلها، كان الذكاء الاصطناعي معنا لسنوات».

«ذات مرة، أشار البعض من اليسار إلى أنظمة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية وأوروبا الشرقية على أنها، اشتراكية قائمة بالفعل، مما يشير إلى إدراك أولي؛ ولكن غير كامل للأمل في نظام اجتماعي جديد. نقترح صياغة مماثلة: رأسمالية الذكاء الاصطناعي الموجودة بالفعل، وتعيين مرحلة من التبني التجريبي وغير المتكافئ للتقنيات التي تستثمر فيها آمال كثيرة. ربما يطول أمد هذه المرحلة لفترة أطول مما يتوقعها المتحمسون للذكاء الاصطناعي. قد تصاب بالركود وتتعثر وتنهار (كما فعلت سابقاً الاشتراكية القائمة). لكنها يمكن أن تكثف أو تتوسع في الانتقال إما إلى رأسمالية متحوّلة بشكل كبير، أو إلى تشكيل اجتماعي مختلف تماماً»، بحسب الكتاب.

«تنقلنا هذه الإشارة إلى مصير الاشتراكية إلى النقطة التي ننتقدها: رأسمالية الذكاء الاصطناعي. ماركس لم يكن يكتب عن الذكاء الاصطناعي أو الروبوتات. كان يصف عزل العمال الذين تم تجريدهم من رأس المال؛ للسيطرة على ما صنعوه، وكيف صنعوه، وعلاقاتهم مع إخوانهم من البشر. إن الحجة التي نطرحها في هذا الكتاب تفيد بأن الذكاء الاصطناعي يجب أن ينظر إليه على أنه تتويج لهذه العملية، وهي لحظة يفترض فيها نظام السوق حياة خاصة به».

تطويق الحياة البشرية

يرى المؤلفون أنه «لفهم مدى فعالية الذكاء الاصطناعي المحيط بنا، نحتاج إلى تحديد ماهية الذكاء الاصطناعي وكيفية عمله. نحن، بشكل قاطع، لسنا خبراء في الذكاء الاصطناعي؛ وسنرتكب أخطاء نابعة من افتقارنا إلى المعرفة التقنية، وكذلك من الطبيعة المتطورة بسرعة لهذا المجال. على الرغم من هذه الصعوبات، فإننا نعتقد أن هناك تصارعاً في المفاهيم الأساسية للذكاء الاصطناعي، وكيفية عملها في الواقع».

«إن طموح أكبر الشركات المطوّرة المحتكرة لصناعة الذكاء الاصطناعي – في الولايات المتحدة؛ مثل: جوجل وأمازون ومايكروسوفت وفيسبوك، وإي بي إم، وفي الصين؛ مثل: بايدو وعلي بابا – ليس مجرد استخدام الذكاء الاصطناعي لزيادة كفاءة محركات البحث وتوصيات المنتجات وعمليات التخزين؛ بل أن تصبح من الموردين، إلى حد كبير من خلال الخدمات السحابية، من قدرات الذكاء الاصطناعي التي لا تستطيع الشركات الأخرى؛ بل والأفراد، الاستغناء عنها يومياً»، بحسب المؤلفين. ويضيفون: «تهدف هذه الشركات إلى إنشاء تمثيل عكسي جديد لرأس المال؛ حيث تقوم تطبيقات الذكاء الاصطناعي كالسيارات المستقلة والمساعدين الشخصيين في روبوتات الدردشة ووكلاء التواصل الاجتماعي وإنترنت الأشياء التي تربط التطبيقات الآلية في الصناعة واللوجستيات والأسر، إلى إشباع الحياة اليومية. إذا تم تحقيق ذلك، فسوف يمثل هذا أيضاً مرحلة جديدة في استهلاك أو تطويق الحياة البشرية بواسطة الهياكل الفنية الرأسمالية، أو ما يمكن تسميتها رأسمالية الذكاء الاصطناعي».

ويقول المؤلفون في الختام: «في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، يهيمن رأس المال على تطوير الذكاء الاصطناعي، وتقوده بعض من أقوى الشركات الاحتكارية في العالم، تمكّنها الدول القومية، وبالمقابل تساعد الشركات هذه الدول التي تبحث عن أدوات للمنافسة الاقتصادية في السوق العالمية والأسلحة من أجل قواتها العسكرية والأمنية»، ويضيفون: «يقوّي التعلم الآلي، والروبوتات المتقدمة، والتحليلات التنبؤية وغيرها من تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة رأس المال مقابل العمل، والشرائح النخبوية من العمال المرتبطين بالآخرين، وبالتالي من المرجح أن تزيد من عدم المساواة على خطوط التقسيم الطبقي التي هي أيضاً خطوط للجنس والعرق».

نبذة عن المؤلفين

* نيك داير ويثفورد أستاذ مشارك في كلية الدراسات الإعلامية بجامعة ويسترن أونتاريو. وهو مؤلف كتاب «سايبر ماركس» (جامعة إلينوي، 1999) ومؤلف مشارك في «ألعاب الإمبراطورية» (مطبعة جامعة مينيسوتا، 2009)، و«البروليتاريا» (بلوتو، 2015).

* وأتل ميكولا كجوسن: أستاذ مساعد في كلية الإعلام والدراسات الإعلامية بجامعة أونتاريو الغربية. أجرى أبحاثاً ونشر دراسات حول الذكاء الاصطناعي والتقاطع بين الاقتصاد السياسي الماركسي ونظرية الإعلام واللوجستيات وتجارة التجزئة. وهو مؤلف مشارك لكتاب «السلطة» (بلوتو، 2019).

* جيمس شتاينهوف طالب دكتوراه في كلية الإعلام والدراسات الإعلامية بجامعة ويسترن أونتاريو. أطروحته تدور حول العمل في صناعة الذكاء الاصطناعي، وقد نشر عن العلاقات الفلسفية بين الماركسية والإنسانية، والذكاء الاصطناعي، ونظرية الإعلام.

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here