اقتصاد

الفقر يزداد بين اللبنانيين وبرنامج الأغذية مصدوم من حجم طلبات المساعدة

المصدر

الفقر يزداد بين اللبنانيين وبرنامج الأغذية مصدوم من حجم طلبات المساعدة

لم تكن الدراسة الأخيرة للجنة "الإسكوا" التابعة للأمم المتحدة عما آل إليه مستوى الفقر بين اللبنانيين صادمة، إذ سبقتها تقارير لمؤسسات ومنظمات دولية ومحلية شرّحت مفاصل الأزمة الاقتصادية والمالية والمصرفية، كما تأثير جائحة كوفيد-19، والإغلاقات الوقائية، وصولا إلى زلزال انفجار مرفأ بيروت، وما تلاه من استقالة الحكومة والتعثر الطويل في تشكيل بديل منها، لتخلص جميعها إلى نتيجة واحدة هي وصول معظم اللبنانيين إلى مستويات غير مسبوقة تاريخياً من الفقر. إلا أن اللافت في دراسة "الاسكوا" هو تحديدها نسبة الذين يعانون من الفقر المتعدّد البُعد في العام 2021 بنحو 82% من العدد الإجمالي للسكّان، فيما تبلغ نسبة من يعانون الفقر المُدقع المتعدّد البُعد 40%، في حين سجَّلت معدلات التضخم مستويات خطيرة وكبيرة وصلت إلى 281%.

وهذه الأرقام ليست مستغربة، إذا ما عرفنا أن نسبة الأسر اللبنانية التي باتت محرومة من الرعاية الصحيّة بلغت 33%، فيما لا يستطيع نحو 52% من السكّان الحصول على الدواء، وما يقارب الـ 54% لا يمكنهم الوصول إلى الطاقة الكهربائية. أما من لا يستطيع الوصول إلى فرص العمل فبلغت نسبتهم 13%. ويتماهى تقرير "الاسكوا" مع إعلان البنك الدولي أن الإنهيار الاقتصادي الذي يمر به لبنان هو"الأكثر حدة وقسوة في العالم"، وقد صنّفه ضمن أصعب ثلاث أزمات إقتصادية واجتماعية سُجلت في التاريخ الحديث، بعد أزمتي تشيلي عام 1926، التي استغرقت 16 عاما للخروج من قعرها، وإسبانيا الناتجة عن الحرب الأهلية عام 1931.
وقد تُرجمت هذه الارقام الصادمة خلال العامين الماضيين بإقبال اللبنانيين على استجداء المساعدات الخارجية من المؤسسات الدولية المانحة ونظيراتها الإنسانية، أو ذويهم المغتربين، لإعانتهم على تمرير المرحلة القاسية والصمود في وجه غلاء الدواء والوقود والفقر الذي يقتحم منازلهم بقوة، وليس أدل على ذلك، ما أكدته المتحدثة الرسمية باسم برنامج الاغذية العالمي رشا ابو ضرغم التي كشفت لـ "النهار" أنه "طوال سنوات من عمل برنامج الأغذية العالمي في لبنان، وضمناً سنوات الحرب الأهلية، لم يلحظ المسؤولون فيه زيادة مطردة في أعداد الأسر اللبنانية المحتاجة للدعم الغذائي المباشر والسريع كما هو عليه خلال العامين الماضيين… وهو أمر مؤسف فعلا".
وشرحت أبو ضرغم ان برنامج الاغذية العالمي WFP يدعم نحو مليون و700 ألف شخص في لبنان، اي انه "يوفر الطعام لشخص من بين كل 6 أشخاص، اضافة إلى المساعدات العينية التي استُحدثت نظرا إلى الحاجة القصوى اليها".
ويعمل برنامج الاغذية العالمي على 3 برامج مختلفة تتضمن مساعدات نقدية وعينية وتدريب المزارعين. ووفق أبو ضرغم فإن "استهداف الاسر الاكثر فقرا يدعم حاليا 35 ألف عائلة في لبنان اي نحو 212 ألف شخص"، فيما "هدفنا الوصول إلى 60 ألف عائلة بحلول نهاية 2021"، لافتة إلى ان "هذا البرنامج توسع كثيرا في الفترة الاخيرة، فتضاعف 3 مرات هذه السنة عما كان عليه سابقا ".
تتحدد قيمة التحويل النقدي الشهري للفرد بما يعادل قيمة المكوِّن الغذائي في "سلة الإنفاق الدنيا لتلبية الحاجات الغذائية الأساسية"(SMEB) التي يُقدِّرها برنامج الأغذية العالمي كمؤشر لما تحتاج الأسر التي تقبع تحت خط الفقر المدقع إلى شرائه من الأسواق المحلية لتلبية حاجاتها الغذائية لضمان استمرارية الحياة. وفي الوقت الحاضر، يعادل المتوسط الشهري لسلة الإنفاق الدنيا لتلبية الحاجات الغذائية الأساسية في لبنان 100 ألف ليرة للفرد الواحد. وبهدف مراعاة النفقات الثابتة التي تتحملها الأسر في إنفاقها الأساسي غير الغذائي، حُدِّد مبلغ شهري ثابت قدره 200 ألف ليرة للأسرة الواحدة.
أما المساعدات النقدية في برنامج استهداف الاسر الاكثر فقرا، فتقدَّر بنحو 25 دولارا لكل عائلة، اضافة إلى 15 دولارا للفرد الواحد، وذلك يعني أن العائلة المؤلفة من 5 أفراد تحصل على 100 دولار. وإذا كانت هذه الدولارات لا تزال تُقبض بالليرة، إلا أن الجهود تنصب حاليا لتسديدها بالـ Fresh أو على سعر صرف السوق الموازية، إذ تؤكد ابو ضرغم ان الامور أصبحت في خواتيمها في هذا السياق. أما عن موضوع دمج البرامج، فتوضح ان "هذه المسائل تقنية وادارية، علما ان لبنان بحاجة إلى كل هذه البرامج وإن كانت كل منها على حدة، فهدفنا الوصول إلى أكبر عدد من المستهدفين، خصوصا أن الحاجة إلى المساعدات تزداد يوميا".
المستفيدون من البطاقة الغذائية عبر برنامج الاكثر فقرا لا يحق لهم الاستفادة من البطاقة التمويلية مع أخذ العدالة الاجتماعية في الاعتبار، وهو ما تؤكده ابو ضرغم التي تشير إلى أن البرامج الثلاثة منفصلة بعضها عن بعض، اذ إن المسجلين في "الاسر الاكثر فقرا" لا يحق لهم الافادة من برنامج المساعدات العينية، علما ان القيمة النقدية في البرنامجين تتساويان حاليا.
توازياً، تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية على 3 برامج: استهداف الأسر الاكثر فقرا، وبرنامج الامان الاجتماعي، والبطاقة التمويلية. ويقول المدير العام للوزارة القاضي عبد الله أحمد لـ “النهار" إن "البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرا هو مشروع منبثق من الوزارة وقد أطلِق عام 2011، وإدارته ممولة جزئيا من البنك الدولي، فيما خدماته ممولة من الحكومة اللبنانية".
يفيد من برنامج استهداف الاسر الاكثر فقرا حاليا نحو 36 ألف شخص، وسيصار إلى رفع هذا الرقم إلى 70 ألف مستفيد على ان يصل مجموعهم إلى 90 أو 100 ألف مستفيد في المرحلة المقبلة، وفق أحمد الذي يؤكد أن "الامر متوقف على توافر التمويل من الاتحاد الاوروبي". كما تعمل الوزارة مع برنامج الأغذية العالمي على إعداد زيارات ميدانية لنحو 130 ألف أسرة، على ان تُنجز مع التقييم خلال شهرين من تاريخ المباشرة بها، لكي يضاف إلى الـ 36 ألف مستفيد نحو 35 ألفا آخرين. وكشف أحمد أن التمويل لـ 70 ألف اسرة مضمون بدليل أن الاتحاد الاوروبي أكد أنه رصد هذا المبلغ.
المشروع الثاني، هو المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي للإستجابة للأزمة وجائحة كوفيد- 19 في لبنان. هو مشروع مدته 3 سنوات وكلفته 246 مليون دولار، يهدف إلى تقديم تحويلات نقدية وتيسير الحصول على الخدمات الاجتماعية للبنانيين الفقراء الرازحين تحت خط الفقر المدقع والمهمشين الذين تأثَّروا بالأزمة الاقتصادية وجائحة فيروس كورونا. وسيعمل المشروع على توسيع مظلة البرنامج الوطني للحكومة اللبنانية لدعم الأسر الأكثر فقراً (NPTP) وتعزيزه. ومن شروط هذا البرنامج إجراء زيارات ميدانية للاسر، فيما يقدّر عدد المستفيدين منه ما بين 160 ألف أسرة و180 ألفاً.
البرنامج الثالث يتعلق بالبطاقة التمويلية التي تستهدف نحو 500 ألف أسرة، وذلك بعدما استثنى منه القانون الذي أقره مجلس النواب في 30 حزيران الماضي، المستفيدين من برامج أخرى، أي برنامج دعم الأسر الأكثر فقرا وبرنامج شبكة الأمان الاجتماعي، علما أن الدراسة موحدة للبطاقة التمويلية ولشبكة الأمان الاجتماعي. وهذا الامر كان متفقا عليه في الحكومة السابقة، اما الحكومة الحالية فيمكن ان تفصل بينهما. وهو ما يجب فعله برأي أحمد.
وكذلك بالنسبة إلى المنصة المخصصة لشبكة الامان الاجتماعي التي كانت قد دُمجت مع منصة البطاقة التمويلية، ولكن الامور جُمدت حاليا في انتظار التوجه الذي ستعتمده الحكومة الجديدة.
ويؤكد أحمد أن ليس ثمة مصلحة بدمج البرامج، على اعتبار أن التمويل مضمون لبرنامج دعم الاسر الاكثر فقرا وشبكة الامان الاجتماعي، فيما التمويل للبطاقة التمويلية ضبابي حتى اليوم، لافتا إلى ان العملة المحددة للبطاقة التمويلية لم يُعرف بعد ما إذا كانت الليرة اللبنانية أم الدولار. اما بالنسبة إلى برنامجَي استهداف الأسر الاكثر فقرا، وبرنامج الامان الاجتماعي فثمة ضغوط من المجتمع الدولي لاعطاء المستحقين "كاش" وبالدولار الاميركي، خصوصا ان الاموال المخصصة لبرنامج الاسر الاكثر فقرا لا تدخل إلى حسابات الدولة اللبنانية بل إلى الحسابات المصرفية لبرنامج الاغذية العالمي مباشرة.

قد يهمك ايضا

توقعات المركزي التركي لمعدلات التضخم في البلاد

العاهل المغربي يؤكّد أن الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية استمرت لفترة أطول مما كان متوقّع

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here