أرشيف

الغرفة

المصدر

أقف على عتبة الغرفة، أتامل الفوضى، ملاءة السرير مجعدة من الوسط، منسحبة عن المرتبة من طرف ومن الطرف الآخر متدلية، انطبع على المرتبة خارطة لاثنين متباعدين، مكاني أكثر انخفاضاً؛ مع أني أخف وزناً، كأن حملاً زائداً يرافقني إلى مضجعي. أبدل الملاءة بأخرى، أدخل حوافها تحت المرتبة.
ملاءات أسرة المشفى حوافها مدعمة بأشرطة مطاطية لتصمد أمام حركة المرضى القلقة المشتتة بين المخدر والألم، أجريتُ فحوصاً بالمشفى بعد إصابة صديقتي المقربة بجلطة مفاجئة، خرجت منها بدعامة للشريان الأمامي وأخرى للشريان الخلفي ووصفة مدون عليها نظام غذائي خالٍ من الدسم. أدركتُ أن علي استباق المرض، لن أنتظر المفاجأة التي مُنيت بها بعض من زميلات العمل والدراسة.
وسادة صغيرة تفترش الأرض بين السرير والتسريحة كسوتها منسحبة إلى المنتصف، كنت أضمها إلى صدري في بداية النوم وأتقوقع في منخفضي حين أطلّت من أجندة يومي المنصرف صورة زميلتي في العمل التي فاجأتنا في أحد الصباحات بخبر وجودها في العناية بعدما نهش السرطان ثديها الأيسر، بعد عدة أيام عادت إلى العمل، ورغم شحوبها كان الأمل يبرق في عينيها. جمعنا طريق العمل صباحاً، حكت عن قرض أخذته حديثاً لزواج ابنتها،
قلت: اهتمي بعلاجك أولاً.
قالت: (اطمن على البنت وبعد كده ربنا يتولاني).
أنظر إلى التسريحة أجدها تراقبني، نظرتها عميقة لا يمكن أن تكون لي، أعتدل في جلستي، أضع الوسادة وراء ظهري، أضيف إلى الليمون الدافئ قطعة ثلج، أعد الليمون الساخن ليساعدني في إنقاص الوزن، وأضيف إليه الثلج، لأني أشعر بسخونة وفورة غريبة لم تكن تحدث لي من قبل، عندما حدثتُ الطبيب عنها قال: طبيعي في سنك نتيجة تغير الهرمونات.
قلت: ونتيجة الفحوص، هل هناك ما يقلق؟
قال: كله طبيعي لا توجد مشكلة، هناك علاج هرموني ليس وقته الآن.. بعد مرور سنة كاملة على انقطاع الطمث.
رنت الجملة في أذنيّ كأنها خرقتهما، أضم ساقيّ إلى صدري وأطوقهما بذراعي، مضى الوقت، تسرب العمر، أمرر يدي على ساقي وفخذي، ألمس جلد بطني برفق، كم عانيتُ من انتفاخات الحمل، لم يترهل جسدي لم يسرِ فيه دبيب الخريف. المرآة سبرت أغواري حين رأتني أبالغ في الأصباغ تحت العينين وفوقهما، وعدم الصبر على لون للشعر وكريمات التفتيح، كل هذا التحايل خبرته المرآة.
أرتشف الليمون، أترك الكوب ملوثاً بصبغة شفاه رديئة الصنع، لم أكن في مقتبل العمر أهتم بأصباغ التجميل كشغفي بها الآن.
أجذب الغطاء على كتفي العارية، أشعر بالسخونة، أخرج ذراعي وساقي من تحت الغطاء وبعد لحظات تزول السخونة وأعاود جذب الغطاء. المفرش قطيفة تتوسطه دائرة بنية تدور حولها زهور بألوان مختلفة حمراء وخضراء وصفراء كأنه بستان؛ هدية أمي لي في عيد ميلادي الذي جاء بعد زواج أختي الصغرى، شعرتُ وقتها أنها تشعرني بأني عروسة أيضاً، لا بد أن أمي لمحت الملل ينداح من عتبة غرفتي. كلما تذكرت هداياها وجدتها لإنعاش تلك الغرفة؛ العطر وملابس النوم، وهذا المفرش وانزلاقه عندما تركله أقدامنا لتصنع حركتنا الحميمية دفئها الخاص بنا للحظات ودقائق، أعود وأسحب المفرش وأستقر في منخفضي، أنظر إلى زوجي هو الآخر أخذ مكانه في طرف الفراش وجهه للناحية الأخرى، كيف كنا من لحظات والآن كل منا يسبح في أفكاره!
كوب الماء لثلثه على منضدة السرير، تحوم حوله هاموشة، آخذه إلى المطبخ وآتي بغيره، أضع رأسي على الوسادة وأجذب الغطاء أكثر، تنير في ذهني صورتنا في عزاء زميلة دراسة ماتت فجأة، حين حان موعد صحوها من النوم لم تصحُ، رن منبه الجوّال دون جدوى، وجدها زوجها وأبناؤها فارقت الحياة، ذهبتُ للعزاء وجدت زملاء الدراسة، خرجنا معاً بعد العزاء، تكلمنا كأننا لم نفترق عن بعض سنوات، سألتهم عن الذين غابوا عن العزاء، قالوا منهم من مات أو سافر، كنا أربعة، افترقنا ونحن نقول لبعض لا بد أن نلتقي ثانية، قلت في نفسي: ترى سنلتقي في عزاء من؟!

عزة مصطفى – مصر

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here