يحيى زكي

هل يعيش البشر أسوأ حالاتهم النفسية؟ هذا السؤال ضروري ونحن نحتفل باليوم العالمي للصحة النفسية الذي يصادف العاشر من أكتوبر(تشرين الأول) من كل عام، ويبدو أن الإجابة تميل إلى ترجيح كفة «نعم»، في ظل «كورونا»، تلك الجائحة التي أصبحنا نُقيّم من خلالها الكثير من جوانب حياتنا المختلفة.

ولكن لنترك «كورونا» قليلاً و نعود إلى الوراء، ففي عام 2002 صدر تقرير عن منظمة الصحة العالمية يشير إلى أن 154 مليون نسمة حول العالم مرضى بالاكتئاب، وعلينا أن ننتبه إلى أن الاكتئاب فضلاً عن أنه مرض نفسي بين أمراض أخرى عديدة، فهو أيضاً يتميز بالالتباس وصعوبة التشخيص، وفي عام 2019 جاءت الإحصائية الأكثر مدعاة للقلق عن المنظمة، لتؤكد انتحار شخص كل 40 ثانية، حيث تصل أعداد حالات الوفاة بسبب الانتحار إلى 800 ألف إنسان سنوياً.

إذا تأملنا هذه الأرقام بهدوء، سنكتشف أن مئات الملايين من البشر يعانون الأمراض النفسية، وإذا أضفنا إلى ذلك بعض البيئات التي لا تعترف بتلك النوعية من الأمراض ولا تتوافر عنها أي معلومات، وتأكيد الأطباء أن الكثيرين يتعرضون مرة أو أكثر في حياتهم لاضطرابات نفسية، لاكتشفنا أن معظم البشر مرضى نفسيين. هذا ما تقودنا إليه الإحصائيات.

وعندما ننتقل من لغة الأرقام ودلالتها إلى لغة التحليل، فسنجد أنفسنا أمام مشهد شديد التعقيد، فالصحة النفسية مصطلح يتسم للوهلة الأولى بالوضوح، ولكن لا إجابة دقيقة عن أبعاده ومفاصله، و ربما يعود السبب إلى أن علم النفس فضفاض بطبعه، تتقاطع بداخله أدوات ومناهج من الطب و الفلسفة وعلم الاجتماع..الخ، ومن الصعوبة بمكان ربط مرض مثل الاكتئاب أو حالات الانتحار بهذا المجتمع أو تلك الثقافة، ولذلك قرأنا إحدى الإحصائيات التي تقول إن البلدان الفقيرة في مقدمة المناطق التي يعاني سكانها الاكتئاب، وإحصائية أخرى تذهب إلى تفشي الانتحار في البلدان الرأسمالية الغنية.

لم يكن العالم في أفضل حالاته قبل «كورونا»، كانت إشكالياته المزمنة قائمة من دون حل، ربما جمّلت العولمة بأدواتها التكنولوجية والإعلامية الحياة للبعض، وأوهمتهم أن ما يشاهدونه على الشاشات أو مواقع التواصل هو العالم الحقيقي، ولكن هذا العالم جاء زائفاً حتى في تعاطيه مع المريض النفسي، الذي تصوره الأفلام إما مجنوناً خفيف الظل أو مبدعاً عبقرياً، أو شريراً يريد إحراق الجميع، وهو في الحقيقة إنسان طبيعي لم يتحمل ضغوط الحياة، تلك الضغوط متعددة الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، و يبدو أنها تتزايد بمتوالية هندسية تتناسب طردياً مع تحولات العولمة، التي ربما تكون على رأس أسباب زيادة تفشي الأمراض النفسية في العقود الأخيرة.