أرشيف

الصناعة والثروة المعدنية حتى لا نعيد اختراع العجلة

المصدر

هناك حركة ومجهود مستمر من وزير الصناعة بندر الخريف، جزء منها هي روح الشباب المتقد بالحيوية والنشاط، وجزء منها أشعر أنه يريد أن يستمع للجميع، وإذا بدأ المسؤول عمله بالإنصات، فهذه بادرة ممتازة نأمل أن تستمر، لأن بعض المسؤولين يبدأ بداية ممتازة، ومن ثم سحر الكرسي يغير البعض، هذا غير تطبيل الحاشية الذي قد يحجب الرؤية، ومن ثم يدخل المسؤول في ما يعرف بـ «الفقاعة الزاهية أو البرج العاجي».
رأينا في الصناعة والثروة المعدنية ببساطة ألا يتم إعادة اختراع العجلة، بمعنى أن سابك وأرامكو كمثال سابق، تأخرتا كثيرا في بقاء الاعتماد على المنتجات الأساسية دون التقدم للصناعات الأكثر تقدماً، فسابك أخذت عقوداً تعتمد على المنتجات الأساسية، وكانت سعيدة بأسعار القيم الرخيصة ولم تفكر بالمنتجات ذات القيمة المضافة والأكثر تطوراً إلا بعد فترة، وكذلك أرامكو بقيت عقوداً تعتمد على (أب ستريم) ودخلت (الداون ستريم) متأخرا بعض الشيء.
المملكة تملك ثروات معدنية طبيعية ضخمة، ومجرد الاستخراج والتصدير فإننا نعيد السيناريو السابق، نحن نريد استخراجاً وتصنيعاً وقيمة مضافة وصناعات لوجستية وتكاملية ومساندة، نريد أن نرى سلسلة من الصناعات الرديفة مع الاستخراج. لا نؤمن كثيرا في هذا العصر بالصناعات الأساسية دون عمليات تطوير وتصنيع، وكل معدن يخرج من المملكة للخارج دون عملية تصنيع متقدم، اعتبره شبه هدر لهذه الثروة الغالية. السعودية لديها الإمكانات لتصبح في مصاف الدول الصناعية المتقدمة، ولا نريد أن نكون دولة عالم ثالث تمتص الشركات الكبرى ثرواتها الطبيعية، كل منتج أو معدن يدخل في عملية صناعية حتى لو كانت بسيطة يرفع قيمته السوقية. الوزير والموظفون في الوزارة يعلمون – كمثال – أن سعر قطعة صغيرة من الألومنيوم في صناعة الطائرات مثلا يساوي عشرات أضعاف طن ألومنيوم خام! وهكذا دواليك. نريد من الوزارة بناء سلاسل من القيمة المحلية المضافة.
أيضا، لكي تتطور الصناعة في المملكة، يجب أن نكون صريحين مع أنفسنا، بعض التجار لدينا كسولين وبين قوسين يريدها (باردة مبردة)، عندما تكون في الطرف المقابل من الطاولة في الاجتماعات، فإنك تسمع العجب العجاب، في بعض الأحيان كانت الشركات تعرض على بعض التجار نوعا من نقل التقنية والتصنيع، وبعض التجار ينطبق عليه (قاله خذ خير قال ما عندي ماعون)، تجده كان يقاوم التصنيع المحلي، يريد أن يبقى وكيلاً أو موزعاً،
أو حتى أقصاها أن تأتيه البضاعة جملة ويغلفها مفردة، لا يريد أن (يدوخ نفسه) كما يدعي بالتصنيع والتعقيد، يريد أن يضع نسبة ربحه على المنتج، ويبيع بسهولة دون مخاطرة (على رأيه). هذا أعاق كثيرا جداً التقدم الصناعي في البلد، حتى في الشركات الكبرى كنا نسمع أحاديث عن أن بعض التجار السعوديين ليس لهم رغبة جادة بالتصنيع، بل يريدون الربح السريع المضمون.
الصناعة لدينا تحتاج تجاراً لديهم بعد نظر وإبداع وشغف، يعني بالمختصر تريد صناعياً لكن بعقلية وتحدي أكوا باور. منذ زمن اعتبرت أكوا باور أنجح شركة سعودية، ووضعتها بالصدارة رغم استغراب الكثيرين وقتها كيف أقدمها على أرامكو وسابك، اللتين استفادتا من الميزات النسبية في المملكة، بينما أكوا باور نافست عالميا (بذراعها)، ولم يتم إطعامها بملعقة ذهب كما كان بعض التجار لدينا الذين تعودوا على الدعم الحكومي، وللأسف البعض منهم لم يتعود على الفطام. الآن بعد الرؤية المباركة أصبح الكثيرون يعرفون لماذا كنت أفضّل أكوا باور على الجميع، وللعلم ليس لي علاقة لا من قريب أو بعيد بها.
أتمنى أن أرى تكتلاً صناعياً سعودياً، أو حتى مجموعة صناعية، أو لنقل (كونغلاموريت) بمعنى الكلمة الصناعي، وبتفكير وعقلية المنافسة العالمية مثل أكوا باور. ربما الوزير ونائبه وهما من عوائل صناعية، لهما القدرة على فهم الصناعيين والتجار ودرء مخاوفهم وتشجيعهم. الإبداع والنجاح ليس لهما حدود أو مكان مع الإرادة، دول كانت تعاني من مجاعة والآن لديها أكبر التكتلات الصناعية بالعالم، على بعض التجار أن يترك الكسل، لو يسيل بعض العقار لديه (حتى لو جزءًا بسيطاً من عقاره) الذي لا يخدم البلد بدل ما ينام على الأراضي ويقابلها وحاط يده على خده وهي تتضخم دون فائدة كبرى للاقتصاد!. لم لا يبدأ رحلة صناعية تخدمه وتخدم بلده وتخلق آلاف الوظائف لأبناء وطنه؟. البلد فيها خيرات كثيرة تحتاج للتشمير عن السواعد وبناء الأمجاد، بدل مقابلة الأراضي على شاهي الضحى، والانتظار كأن الأرضي ستولد!
الطريقة القديمة من بعض التجار، بأن يريد الربح السريع والسهل، لم تعد تجدي مع التطور والرؤية، على الصناعي أن يترك أثراً أو إرثاً صناعياً مميزاً. الفلوس تجي وتروح، لكن الإرث التاريخي الصناعي يبقى لأجيال، انظروا للشركات والتكتلات الكبرى، بعضها بقي لقرون.
الشيء الآخر الجدير ذكره للوزارة، هو تكوين صندوق لجذب الصناعات المميزة التي تخدم البلد، وذات قيمة مضافة عالية. أعرف أن صندوق الاستثمارات يقوم بهذا الدور، وأيضا وزارة الاستثمار، لكن لا مانع من التعاون بينهم، ودخول وزارة الصناعة بإحدى الأذرع، أو التنسيق مع الجهات الأخرى، أو حتى استخدام الصندوق الصناعي للشراكات بين الوزارة والشركات الكبرى. ومن مخالطة سنوات لكبار مسؤولي الاقتصاد حول العالم، وكبار مسؤولي الشركات العالمية الكبرى، لم أر جملة أكثر إغراء لهؤلاء من عبارة (مشاركة الحكومة السعودية) من خلال إحدى الهيئات الحكومية أو الشركات الحكومية، عندما يسمعون هذه العبارة يتغير مزاج الاستثمار 180 درجة، يعتقدون أن مشاركة الحكومة تعني نجاح المشروع وتسهيل كل المعوقات. ياما قلنا إن بيئة الاقتصاد في المملكة صارت جاذبة ومنظمة، ويمكنكم مشاركة الاقتصاديين السعوديين دون معوقات، لكن ما زالت «مشاركة الحكومة» هي العبارة المفضلة المعشعشة في رؤوس التنفيذيين والاقتصاديين حتى لو كان (ستيريو تايب)، أو صورة نمطية. ورغم التطور المذهل في البيئة الصناعية والاقتصادية السعودية، إلا أنه من الصعب تغيير هذه الصورة بسهولة، ربما هذه الصورة مفيدة للوزارة إلى حد ما، للدخول في الشراكات من خلال بعض أذرعها، وربما نحتاج وقتاً أطول لإقناع المستثمرين الأجانب الكبار بمشاركة تجارنا الجادين، ويمكن بعض تجارنا ما زالت الشركات الكبرى لم تثق فيه بعد، بأن يكون أكثر من مجرد وكيل أو موزع، وليس شريكاً ومصنعاً، ومورداً بدل أن يكون مستورداً!.
Next Page >

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here