اقتصادتقارير

السلام في اليمن يُنعش باب المندب

المصدر

سينعش اتفاق السلام اليمني الحركة البحرية في أحد أهم الممرات المائية العالمية، مضيق باب المندب، وهو شريان رئيسي للحركة الاقتصادية والتجارية العالمية، وسينعكس إيجابا على أمن حركة ناقلات النفط والسفن التجارية بعد أن استهدفت العمليات الإرهابية الأهمية الاستراتيجية للمضيق الواقع على البحر الأحمر، والذي يبلغ طوله 20 كيلومترا فقط، حيث يلتقي البحر الأحمر بخليج عدن في بحر العرب، مما يجعل مئات السفن هدفا سهلا. وقد شكلت هذه العمليات تهديدا صارخا للملاحة البحرية ولأمن الطاقة العالمي والتجارة الدولية.
تعني عودة السلام إلى هذا الممر المائي الحيوي الذي يربط البحر الأبيض المتوسط ببحر العرب والمحيط الهندي، وصول إمدادات الطاقة من النفط والغاز والمشتقات البترولية إلى السوق الأوروبية وحوض المتوسط، حيث كانت الناقلات تضطر في الأعوام السابقة للإبحار عن طريق رأس الرجاء الصالح جنوب أفريقيا، بسبب التهديدات الأمنية للملاحة والتجارة الدولية، وقطع مسافة طويلة جدا للوصول إلى السوق الأوروبية، مما يعني زيادة كبيرة في استهلاك الوقود وكلفة التأمين من تلك الأخطار.

يُعد مضيق باب المندب رابع أكبر الممرات المائية، بعد قناة السويس، من حيث عدد براميل النفط ومشتقاته التي تمر عبره، والذي يصل إلى أكثر من 6 ملايين برميل يومياً. كما يمر عبره نحو 10 في المئة من الغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث إنه بوابة عبور السفن في طريقها لقناة السويس.

إحياء قطاع النفط والغاز
تعرف اليمن بكونها أفقر دول العالم العربي، في وقت تتمتع فيه باحتياطيات تبلغ نحو ثلاثة مليارات برميل من النفط، و17 تريليون قدم مكعب من الغاز. وهذه احتياطيات متواضعة جدا مقارنة بدول الخليج العربي، يقابلها استهلاك قليل جدا أيضا من النفط، لا يتخطى 60 ألف برميل يوميا، وفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
انخفض إنتاج النفط في اليمن بشكل ملحوظ منذ أن بلغ ذروته عام 2001 عند نحو 440 ألف برميل يوميا، نظرا إلى الانخفاض الطبيعي في الحقول القديمة في البلاد والهجمات المتكررة على البنية التحتية النفطية.
يوجد نوعان من النفط الخام في اليمن: “نفط مأرب”، الذي وصلت ذروة إنتاجه إلى 62 ألف برميل يوميا قبل عشرة أعوام، وكان يتم تصديره عبر ميناء رأس عيسى الذي يقع شمال ميناء الحديدة على البحر الأحمر. والنوع الثاني هو “نفط مسيلة” الذي وصلت ذروة إنتاجه قبل عقد من الزمن إلى نحو 105 آلاف برميل يوميا، وكان يتم تصديره عبر ميناء الشحر الذي يطل على بحر العرب بالقرب من الحدود العمانية اليمنية. ويمثل “نفط مسيلة” أكثر من 80 في المئة من احتياطيات النفط في اليمن.
لا توجد بيانات حديثة عن إنتاج النفط الخام في اليمن، وما توافر من بيانات أخيرة غير دقيقة، حيث تشير بعض الأرقام إلى انخفاض إنتاج النفط الإجمالي في اليمن من 125 ألف برميل يوميا عام 2014 إلى أدنى مستوى له عند نحو 20 ألف برميل يوميا عام 2016، ليعود ويرتفع ببطء إلى نحو 40 إلى 60 ألف برميل يوميا عام 2019. كما انخفض إنتاج الغاز الطبيعي من 328 مليار قدم مكعب عام 2014 إلى ثلاثة مليارات قدم مكعب عام 2018 وفقا لبيانات وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال”.
مع انتشار سيطرة الحوثيين في البلاد، أصبح المناخ السياسي أكثر خطورة، وتأثر قطاع الطاقة بشكل كبير بعد أن اضطرت الشركات الأجنبية العاملة في اليمن إلى التخلي عن العمليات التشغيلية وإجلاء موظفيها.وجرى إغلاق كل عمليات إنتاج النفط والغاز تقريبا في البلاد بعد الهجمات المتكررة التي تعرضت لها حقول النفط وخطوط الأنابيب ومرافق التصدير في الموانئ. كما أُغلقت مصفاة التكرير في عدن البالغة طاقتها نحو 150 ألف برميل يوميا، بسبب تفاقم الصراع الدائر منذ عام 2015، مما أجبر اليمن على استيراد كافة المنتجات البترولية المكررة. وكذلك أُغلق معمل الغاز الطبيعي المسال الوحيد في اليمن في العام نفسه مع مغادرة شركة “توتال” الفرنسية البلاد.
قد تكون صناعة النفط والغاز في اليمن على مفترق طرق بعد إيقاف تشغيل مرافق الإنتاج والتصدير، وذلك أن إعادة التشغيل ستتطلب عودة الاستثمارات وشركات النفط العالمية، ومن الصعب الجزم بأن أي نهاية للحرب، قد تضمن عودة هذه الشركات، حيث لا تزال الأخطار الأمنية عالية، وعلامات الاستفهام كثيرة حول مستقبل الاستقرار السياسي. حتى الآن، لم يتم استغلال الموقع الجغرافي لليمن وأهميته الاستراتيجية اقتصاديا، إذ لم يُستثمر قط في بناء مرافق تخزين النفط ومشتقاته، أو مرافق لتعبئة وقود ناقلات النفط والسفن التجارية التي تمر عبر باب المندب.
لا شك أن السلام والاستقرار السياسي في اليمن سيدعمان اقتصاد البلاد ومداخيل ممراته البحرية وموانئه، والاستفادة من موقعه على طول الطرق البحرية الرئيسية، مما يتيح سهولة الوصول إلى الأسواق في آسيا والمحيط الهادي وأوروبا. كما ستوفر المرحلة السلمية دعما لموارد اليمن من النفط والغاز التي لم تُستغل كما يجب حتى الآن على الرغم من أنها تُشكل النسبة الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي غير المطور، وستضع حلولاً جذرية لأزمة الوقود الخانقة التي ألقت بظلالها على حياة المواطنين وعطلت كثيرا من وسائل النقل والخدمات. ويرتقب أن توفر المشاريع الاقتصادية التي سترافق عملية السلام الكثير من فرص العمل وأن تحد من البطالة.

استثمارات صينية
منذ عام 1986، استثمر كثير من الشركات العالمية من دول شتى في قطاع النفط والغاز اليمني، منها الولايات المتحدة وإندونيسيا والنمسا وفرنسا وكوريا الجنوبية واليابان. أما الصين، فقد عزفت عن الاستثمار في القطاع، مثلها مثل بقية الشركات العالمية، رغم أنها من مستوردي النفط اليمني الخام، ووجودها في شرق أفريقيا واستثماراتها الكبيرة هناك. فلا نعلم إن كانت وساطة الصين في عودة العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية سيتيح حقبة جديدة من الاستثمارات الصينية.

فيصل الفايق

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here