تقاريرثقافة

الروائية السعودية فاطمة عبد الحميد: الجميع فاز بـ”البوكر”

المصدر

لا يمكن للروايات التي وصلت إلى القائمة القصيرة في “الجائزة العالمية للرواية العربية” أو “البوكر” أن تمر مرور الكرام على جمهور القراء، ومن هذا المنطلق تقول الروائية السعودية فاطمة عبد الحميد التي كانت من بين قائمة الستة قبل إعلان الفائز: “وصول روايتي ’الأفق الأعلى’ إلى القائمة القصيرة يساعد بالطبع على انتشار العمل، فقوائم الجائزة العالمية للرواية العربية تُقرأ غالبا، إما لذم الاختيارات أو للثناء عليها، وفي الحالتين تحظى الروايات المرشحة بقراءة وانتشار ونقاش واهتمام أوسع”.
وعن رأيها بفوز رواية “تغريبة القافر” للروائي العماني زهران القاسمي في الدورة السادسة عشرة للجائزة: “قرأت العمل فور ترشحه إلى القائمة القصيرة، وأعجبت به وتواصلت مع زهران في حينها، قبل أن نلتقي أخيرا في أبوظبي، ووجدت أنه إنسان نقي كماء روايته، يشف عما بداخله، لذا هو فوز مستحق، ولا تقابله في الجهة الأخرى أية خسارة! فالكل فاز بالاهتمام والحفاوة نفسها من المنظمين والقراء، لكنه قانون المسابقة، لا بد من مركز أول في هذه الجائزة”.

الواقع والخيال
في “الأفق الأعلى” الصادرة عن منشورات مسكيلياني، اختارت فاطمة عبد الحميد أن يسرد أحداث روايتها الملاك عزرائيل، ملاك الموت، الذي يخاطب القارئ مباشرة ويخبره عن الأشخاص الذين يلتقيهم وعن ردود أفعالهم عند اللحظة الحاسمة. ومن خلاله، نتعرف الى شخصية سليمان، وهو أرمل في الخمسين من عمره، كانت أمه قد زوّجته بفتاة تكبره بإحدى عشرة سنة، وهو لا يزال مراهقا في الثالثة عشرة من عمره. عاش طوال حياته في ظل حماية نساء مختلفات، ولا يستطيع الاعتناء بنفسه أو القيام بأبسط الأشياء، بهذه الصفات تبدو شخصيته معاكسة للصورة النمطية للرجل العربي القوي. ويبقى سليمان وحيدا في شقته إلى أن يلمح من شرفتها طيف جارته، التي ستصبح شريكته في مغامرة حب لم تكن في الحسبان. وكأن الرواية تقول إن التخطيط والتنبؤ بالمستقبل أمران مستحيلان، فقد تخدعك الحياة ويعبث بك الموت.

نحو الحياة
انطلاقا من فكرة هذه الرواية كان لا بد من أن نسأل الروائية السعودية هل يمكن اعتبار اختيارها ملاك الموت كي يكون هو الراوي دلالة على أنه من الموت تظهر الحياة والعكس. تردّ: “بالفعل انتهت الرواية بولادة طفل، أو كما قلت في الرواية ‘الحفيد يشكل انبعاثا للجد، وثأرا كافيا من الهرم’. الطفل هنا دليل على استمرارية الحياة في وجه الفناء. والرواية كلها تمضي في هذا الاتجاه، وإن كان راويها ملاك الموت، لكنه يؤكد لنا طوال الوقت أنه شهد وصولنا وسيشهد رحيلنا، ويصر على أن يشعر الإنسان بضآلته، وأنه قادر على أن يمسّ كل ما نحب، إلا أنه أيضا يمسك ببعض الأيدي ليقودها في اتجاه الحياة، واغتنام الفرص، وعدم تضييع الوقت. في كل مرة يحضر فيها، كأنما ينبهنا إلى أن الحياة قصيرة، لكنها صالحة متى عرفنا كيف نستصلحها. هذا ما رغبتُ في قوله”. تؤكد عبد الحميد أنها لم تتردد لحظة في كتابة “الأفق الأعلى” التي بدأت فكرة شفهية ومن ثم قادتها الى النهاية المكتوبة.

في الرواية التي مزجت فيها عبد الحميد بين الواقع والخيال، استطاع هذا الأخير أن يمنحها حرية التعبير والتنقل بين أحداث الرواية. توضح: “الخيال جموح يصعب رده، والواقع توق ينزع للمنطق! لا مجال للمقارنة. لكن لكل رواية معطياتها وأدواتها التي تحركها، قد يضر الخيال برواية وقد يخدمها، لا تبتغي الرواية إلا أن يفسح لها الطريق لتُكتب على نحو لا يفقدها جاذبيتها وحبكتها، وأن تروى كما أرادت هي لنفسها”.
القصة القصيرة
قبل أن تصدر فاطمة عبد الحميد رواياتها الثلاث، “حافة الفضّة” (2013)، “ة النسوة” (2016)، و”الأفق الأعلى” (2022)، كان إصدارها الأول مجموعة قصصية بعنوان “كطائرة ورقية” في العام 2010. عن تجربة كتابة القصة القصيرة تقول: “قلت مرة إن القصة القصيرة شجرة عملاقة، حتى عندما تظن أنك تكبر وأنت تكتب الرواية. فيوما ما ستقف بجانبها أنت وكل كتبك اللاحقة، مثلما يقف شيخ وأحفاده قرب شجرة معمرة، وكل شيء سيبدو ضئيلا في جوارها مهما كبر. ما زلت أرى الأمر كذلك وما زلت أكتب القصة وأنشرها متفرقة ما بين مجلات وصحف ومواقع تواصل، لكنني لم أجمع جديدي في مجموعة بعد وربما أفعل قريبا”.

حالات
تتحدّث فاطمة عبد الحميد عن الحالات التي يعيشها الكاتب عندما يشعر بأنه يمتلك الرغبة في الكتابة ولكن في الوقت نفسه يجد صعوبة في ذلك، أو أن ما يكتبه قد لا يرضيه. تقول: “أعيش هذه الحالة حاليا وعشتها من قبل، لكن ربما هي أثقل عليّ الآن، ما أفعله هو أني أكتب… أكتب مشاهد ليست بالضرورة لقصة قصيرة أو رواية، أكتب مشهدا مكتملا بحواراته، وقد يكون حدث معي بالفعل هذا اليوم مثلا! أظن أنه نوع من ممارسة التمرين اليومي لإبقاء لياقة الكتابة، كرياضة المشي للجسد”. تضيف: “لا طقوس لديّ عند الكتابة غير أني كائن نهاري جدا، أحب أن ألحق الشمس وأكتب، وضوؤها يملأ الغرفة، وينعكس على كل شيء فيها، فما إن تعتم في الخارج، حتى تعتم في داخلي الرؤية لتلك الحكاية التي كانت منسابة في النهار. تبقى لليل فائدة واحدة، وهي استغلاله للتعديلات والتصويبات، بما أنها مهمة عقلية بحتة لا تستدعي الإلهام”.

سلام ورضا
تعيش فاطمة عبد الحميد حالة من السلام النفسي، وليس هذا مستغربا كونها تعمل معالجة نفسية تساهم في إيصال الناس إلى حالة من الرضا والسلام: “أحب كلمة ‘سلام’، وأحب أن أُوصف بهذا، وأعتقد أن كل إنسان لديه ميل فطري للسلام، ولن يحدث الأمر إلا إذا استطاع المرء أن ينظر إلى الماضي من دون ندم، وهذا لا يعني أنه لم يخطئ، فكلنا خطاؤون، ولكن أن يكون قادرا على التوقف عن إدانة نفسه، وأن يتصالح مع قصصه القديمة المؤلمة ويتجاوزها، بعد أن يفهم كل أسبابها، لأنه في الواقع لا تتاح الفرصة عادة للمرء لكي يصحح العديد من الأخطاء، لذا أرى أن الشعور بالرضا هو إحساس عميق بالصفاء الداخلي، وهذا هو خلاصة الجمال الروحي… قفزة كبيرة في اتجاه الإيمان بالإنسان وبالطبيعة البشرية”. 

وأخيرا تكشف عبد الحميد عما يشغلها في هذه الفترة: “أنا في مرحلة التوحد مع الفكرة التي ذكرتها قبل قليل، أقرأ عنها لأنها تاريخية بعض الشيء، عن أشخاص غير عاديين لكنهم خلقوا ألفة في محيطهم، أريد أن أكتب عنهم بطريقة يختفي دوري فيها كوسيط. لذا أجمع مصادري وأستخلص منها، وهو وقت لن يكون ضائعا طالما أمضيه في البحث عن فكرة مصقولة. وأنا بطبيعتي متمهلة، لذا أفعل هذا بأناة ولا أستعجل نفسي على الإطلاق”.

عبير علي

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here