تقارير

الدور السياسي للمحكمة الأمريكية العليا

المصدر

د. ناجي صادق شراب

ماذا تشكل المحكمة الاتحادية العليا في النظام السياسي الأمريكي؟ وما موقعها بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؟ وما أهميتها سياسياً ودستورياً ؟ لقد أجابت وفاة القاضية روث بايدر جيتزبرج على كل هذه التساؤلات، وكشفت عن الدور المحوري للمحكمة ، وطبيعة الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين على من يكون يترأسها. القاضية روث ليبرالية مدافعه عن حقوق المرأة والحقوق المدنية ووصيتها أن لا يتم شغل مكانها إلاّ مع الرئيس القادم. برز خلاف شديد حول تعيين خليفة لها . الحزب الجمهوري سارع بعد وفاتها للانقضاض على المنصب مستفيدين من الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ليتم تعيين إيمي كوني ( 48 عاماً) وهي كاثوليكية معروفة بتدينها ومواقفها المحافظة.

الصراع على المحكمة العليا هو صراع على الديمقراطية الأمريكية لأن قرارات المحكمة ملزمة، ولا تعلوها سلطة أخرى، ولها تأثير على كل مظاهر الحياة السياسية والاقتصادية والمجتمعية، وهى من تحدد مستقبل الفيدرالية الأمريكية أو مستقبل اللافيدرالية. وتستمد المحكمة مكانتها السياسية العليا من كونها المؤسسة الأهم والأعلى في النظام السياسي والدستوري. والمحكمة الاتحادية العليا هي المسؤولة عن التأكد من التزام الكل بالدستور. ورئاسية النظام السياسي تعني أيضاً أن الرئيس هو فقط من يتولى السلطة التنفيذية وكل الجهاز الحكومي والإداري يعمل تحت أمره، وفي الوقت ذاته سلطة التشريع أي سنّ القوانين من صلاحيات الكونجرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ، وينفرد الشيوخ فقط بالتصديق على التعيينات الرئاسية العليا بالأغلبية المطلقة .أما سلطة القضاء فهي من اختصاص المحكمة العليا، وتنفرد المحكمة بخاصية غير متوفرة لغيرها وهي أن عضو المحكمة يبقى قاضياً مدى الحياه، ولا يمكن إقالته إلا في أضيق الحدود بتهم الفساد أو مخالفة الدستور. ولا سلطة على القضاة بعد تعيينهم، فقط السلطة قبل التعيين من قبل الرئيس الأمريكي ذاته وتصديق الشيوخ.

ونظراً لمسؤولية المحكمة عن تطبيق وتفسير الدستور الأمريكي فهي المؤسسة الأهم ، فمن صلاحياتها إلغاء أيّ قانون يصدر من قبل الكونجرس، ونعلم كم هي معقدة عملية صنع القوانين، وللمحكمة أن تلغي أي قرار رئاسي ترى أنه مخالف للدستور، ولها سلطة على كل القوانين الصادرة من الولايات نظراً لخضوع دساتيرها للدستور الاتحادي، وهذه الأهمية هي التي تفسر لنا الصراع بين الرؤساء الأمريكيين والحزبين على مناصب القضاة. ولهذا السبب فإن الرؤساء الأمريكيين يحرصون على تعيين قضاة يتوافقون معهم إيديولوجياً، وهذا العامل هو الذي يقف وراء تفسيره للدستور، والتفسير قد يكون في صالح الفيدرالية أو صالح الولايات أو في صالح الرئاسة في أي قضية من القضايا، كقضية الانتخابات الأمريكية التي يلوح الرئيس ترامب بأنه قد لا يقبل بنتيجتها مسبقاً بسبب التزوير في طريقة البريد التصويتي هنا يأتي دور المحكمة العليا التي قد تعيد الرئيس للرئاسة دستورياً. وهذا ما يطمح إليه ترامب ، وهو السبب وراء قرار تعيين القاضية إيمي كوني.

عمل في المحكمة حتى الآن 112 قاضياً منهم أربع نساء وبالتعيين الجديد اليوم ارتفع العدد لخمسة. واحدة منهن فقط من أصول لاتينية سونيا سوتو مايور وتم تعيينها في إدارة الرئيس أوباما. والمفارقة أن ما يحدث الآن في عهد إدارة ترامب قد تكرر في عهد الرئيس أوباما عندما طرح اسم المرشحة ميرك جار لاند خلفاً للمحافظ الراحل أنتوني سكايا ورفضه الجمهوريون بحجة انتهاء سنة الانتخابات، وأن الرئيس المقبل هو من له الحق أن يعين. وأهمية التعيين الأخير أنه ضمن أغلبية من المحافظين داخل المحكمة التي تتكون من تسعة قضاة، فهناك لا يقل عن خمسة منهم محافظون. وللتغلب على مشكلة العدد اقترح أن يكون العدد 15 قاضياً في عهد الرئيس فرانكلين عام 1937 ولكن رفض من قبل الكونجرس، كما أن غالبية الأمريكيين يرفضون زيادة أعضاء المحكمة ليبقى العدد عند تسعة أعضاء ، ما يعني أن صوتاً ليبرالياً أو محافظاً قد يغير الحكم الصادر عن المحكمة. الرئيس ترامب يدرك أهمية هذا الدور، وخصوصاً في سنة انتخابات يخشى من عدم الفوز فيها، لذلك فإن بوابته للبقاء في المنصب دستورياً هو أن تشكك المحكمة العليا بنتيجة الانتخابات.. وهذا سيناريو متوقع.

drnagishurrab@gmail.com

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here