تقارير

الخليج.. مسقط الرأس

المصدر

يوسف أبو لوز

لرأس الصحفي، أو، لمن خُلِقَ ليكون عمله وتكون حياته في بلاط صاحبة الجلالة «الصحافة» مسقطان: مسقط رأسه في مكان ولادته، ومسقط رأسه في الجريدة، وإن كانت ولادته بين الورق والحبر وهدير المطبعة وهو في العشرين أو في الثلاثين من عمره. وفي الحالتين والمسقطين هما ولادتان، وهو امتياز معنوي كبير لمن يعمل في هذه المهنة الرفيعة، بخاصة إذا بعث الله لك رئيس تحرير أو صاحب مؤسسة صحفية يحترم قلمك، وتشعر مع هذا الاحترام أنه أبٌ لك لم يلده جدّك، تماماً مثل قولك «رب أخ لك لم تلده أمك».
اليوم، أحتفل بمسقط رأسي: جريدتنا «الخليج»، وليسمح لي القارئ أن أستخدم ضمير المتكلم الشخصي، وفي العمود الصحفي الذي هو ملك القارئ وليس ملك الكاتب تعلّمنا أن الشخصي أو الذاتي في الكتابة لا يصحّ، ولا هو مقبول من الناحية المهنية، ولكن اليوم، صديقي القارئ، هو استثناء، فأنا أتحدث إليك عن جريدتي «الخليج»، عن اسم كاتب ظهر فيها في العام 1984، وما زال يظهر حتى قراءة هذا العمود. قرابة 35 عاماً من الظهور والكتابة والحياة والصباحات والمساءات والصداقات والمحبّات في «الخليج».
وُلِدتُ مدة عامين في جريدة «اليوم» في الدمام (1981- 1982)، ووُلدتُ مدة أربعة أعوام في جريدة «الدستور» الأردنية (1995-1997)، ثم من 2005 إلى 2007، بين زملاء وأصدقاء ومهنيين وجميلين ومحبّين لهم حكاية أخرى ذات يوم، ثم وُلدتُ الولادة الطويلة في «الخليج» من 1984، وإلى اليوم، وخلال تلك الأعوام كانت تلك «التقطيعات» المهنية بين «اليوم» في الدمام، وبين «الدستور» في عمّان، وبين هذا وذاك كانت حبيبتي مجلة «الشروق» الأسبوعية ابنة مؤسسة دار الخليج وابنة تريم عمران، وعبد الله عمران، الأبوين، والمؤسسين، والمربّيين اللذين ربّيانا أنا ومجموعة من الصحفيين والكتاب والشعراء على عزة النفس الثقافية والشخصية، وربّيانا على الخلق الطيب، والاستقلالية المهنية، وحب الإمارات، وحب الإنسان عندما يكون نبيلاً وصادقاً مع نفسه أولاً، وقضاياه المصيرية الوجودية الوطنية الكبيرة، فليس هناك من قضايا صغيرة.
«الخليج» هي صوت وصورة وذاكرة وهوية تريم عمران، وعبد الله عمران، وبعدهما الوارث الأمين خالد عبد الله تريم. عائلة نبل وثقافة ووطنية، وثوابت، ومبادئ، وأخلاقيات كلها سوف تنعكس بالضرورة على كل من يعمل الآن، ويعمل غداً في «الخليج».
تلك الأخلاقيات والثوابت ليست مكتوبة في وصايا أو في عقود، بل هي توارث تلقائي. هي ثقاقة وتربية وشخصية شكّلتها «الخليج» عبر خمسين عاماً، منذ الصدور الأول وستبقى حتى الصدور المئوي، وما بعد المئوي على الأوّليات نفسها، وعلى الموروث الصحفي، والأخلاقي، والوطني، والمهني نفسه.
في هذه البيئة الصحفية، بل والبيئة الإنسانية والعائلية وُلدتُ في «الخليج» وأنا في العشرين من عمري، شاباً طائراً وراء الكتابة، وما زلت طيراً في الستين لا لأن لي جناحين من الريش، بل لأن «الخليج» تدرّب من يعمل في دار عبد الله وتريم وخالد، إنما يعمل في الدار الأكبر: الإمارات، الوطن والهوية.. والرّوح، وهي معاً الاسم الصحفي والثقافي والفكري لجريدة «الخليج».

yabolouz@gmail.com

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here