أرشيف

الحرب الإعلامية ضد كوبا

المصدر

تأليف: كيث بولندر

ترجمة وعرض: نضال إبراهيم

عملت وسائل الإعلام الكبرى في الولايات المتحدة على مدار الأعوام الستين الماضية وفق أهداف السياسة الخارجية الإمبريالية لإنشاء رواية مضللة ومنحازة ضد الثورة الكوبية. يكشف الصحفي كيث بولندر في كتابه هذا كيف أن الصحافة الوطنية الأمريكية صنعت تاريخاً معادياً لكوبا، ويقدّم أمثلة مستفيضة، بما في ذلك التغطية التاريخية لما قبل الثورة.

يناقش الكاتب في هذا العمل العديد من المحطات التاريخية في التغطية الإعلامية الأمريكية تجاه كوبا، بدءاً من تغطية خليج الخنازير، أزمة الصواريخ الكوبية، الكوبيين الخمسة المعتقلين (أطلق سراحهم مؤخراً)، ومحاولة إعادة العلاقات في فترة أوباما عام 2014 إلى تجدد العداء في ظل إدارة ترامب.

يعاين الكتاب مدى الضرر الذي تلحقه معالجة وسائل الإعلام في التعامل مع كوبا. ويقف عند العمل الأساسي الذي يقوم عليه عداء وسائل الإعلام ضد النظام السياسي / الاقتصادي الاشتراكي لكوبا، وهو ما يوفر نظرة جديدة على أعمال الدعاية لما يسمى بالصحافة «الحرة» في الولايات المتحدة وعبر الديمقراطيات الليبرالية الغربية.

يعد هذا العمل مورداً فريداً للنشطاء والصحفيين والطلاب المهتمين بالعلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة وجارتها الجزيرة في الجنوب. وهو ينقسم إلى خمسة أقسام، وهي بعد المقدمة: 1) السيطرة الإعلامية على التاريخ الكوبي. 2) الإعلام مقابل الثورة. 3) قضية الكوبيين الخمسة. 4) وسائل الإعلام تفتح وتغلق ضد كوبا. 5) التغطية المستقبلية. ويجدر بالذكر أن الكتاب صادر عن دار «بلوتو برس» (ال 20 من سبتمبر 2019) باللغة الإنجليزية في 224 صفحة.

انتصار كاسترو

عندما ظهر فيدل كاسترو ومجموعته المثالية من الثوار منتصرين في الأيام الأولى من عام 1959، سرعان ما قررت الولايات المتحدة أنه لا يمكن التسامح مع هذه الحركة القومية. كانت هيمنة الولايات المتحدة على كوبا، التي حافظت عليها خلال الستين سنة الماضية، مهددة، ومع بدء فيدل كاسترو في تطبيق نظامه الاجتماعي / الاقتصادي الجديد، تم تنفيذ سياسات أمريكية لتغيير النظام في كوبا مع إطلاق مجموعة متنوعة من الأساليب لتدمير الثورة. فقد تم فرض العزل والقيود التي تمنع المواطنين الأمريكيين من السفر إلى كوبا، إضافة إلى مئات من الأعمال الإرهابية ضد الأهداف المدنية والتجارية، والحصار الاقتصادي، ومحاولات اغتيال كاسترو وشخصيات قيادية أخرى. يرى الكاتب أنه «بشكل أو بآخر، تستمر جوانب هذا الحصار ضد كوبا حتى يومنا هذا».

ويضيف: «أحد التعبيرات الأطول عمراً لهذا التناقض مستمد من سلطة تُعرف عادةً بأنها منفصلة عن الدولة في ديمقراطية ليبرالية حديثة، وهي الصحافة المستقلة. في الواقع، أيدت وسائل الإعلام بحماس أهداف الحكومة المناهضة للثورة لإنهاء تجربة كوبا الاشتراكية، وإجبار البلاد على العودة إلى أحضان أمريكا. لقد كان دور وسائل الإعلام في المقام الأول هو الترويج للثورة بأكثر أشكالها سلبية، وهو ما أدى إلى تطبيع شيطانية الثورة الكوبية ومؤيديها. لقد خلقت وسائل الإعلام خطاباً نقدياً قاسياً».

كانت المعلومات الخاطئة مسؤولة عن كثرة الأساطير السلبية عن كوبا، بحسب الكاتب الذي يرى أنه «عندما تحل الأسطورة محل التاريخ، تصبح الحقائق غير مهمة للمناقشة المنطقية. إنها الوسيلة التي تؤمن بها أسوأ التهم الموجهة إلى المجتمع الثوري، ورفض أي محاولة لمعاينة حقيقية».

بعد فترة شهر عسل مثالية كانت الصحافة خلالها تميل إلى تصوير كاسترو والثوريين في صورة متعاطفة نسبياً، على عكس ديكتاتورية فولغينسيو باتيستا الكئيبة عالمياً، تحولت النغمة إلى شكل سوداوي. يعلق الكاتب: «كانت أمريكا تتوقع الإصلاحات من كاسترو. بدلاً من ذلك، قدّم لهم ثورة. بمجرد أن بدأ فيدل كاسترو بالوفاء بوعوده، التي واجهت حتماً المصالح الإمبريالية الأمريكية، لم يكن هناك شك في كيفية تحول الرأي العام. بعد أقل من عام من الانتصار ومنذ ذلك الحين، حاولت وسائل الإعلام الوطنية الأكثر نفوذاً أن تصوّر الثورة الكوبية باعتبارها إخفاقاً غير مقصود، وشراً اجتماعياً لم يفعل شيئاً إيجابياً للشعب. لقد تم تضخيم كل خطأ، وأدين كل خطأ كدليل على أوجه القصور في الحركة الثورية. وكل نجاح تضاءل أو تم تجاهله، وكل المكاسب أصبحت عرضة للانتقاد».

ووفقاً للخطابات التي استخدمتها، فقد أظهرت وسائل الإعلام الرئيسية على مدار الخمسين عاماً الماضية أن للثورة فوائد قليلة، مع الحرص على إيضاح أن جميع أوجه القصور هي مسؤولية النظام الكوبي فقط، ونادراً ما كان يظهر تأثير تغيير استراتيجية النظام الأمريكي في السياق، ويتم توثيق عيوب الحكومة الكوبية توثيقاً جيداً. تم تطبيق رقابة مفروضة ذاتياً حتى لا تنشر المعلومات الأساسية المتعلقة بهذا العداء الذي لا يلين ضد كوبا، وعدم تقديم خلفية عن النماذج الإمبريالية التاريخية لأمريكا.

ومن اللافت للنظر أن الافتقار إلى الوعي الذاتي بهذا الواقع غالباً ما يصل إلى كبار المتحدثين باسم الحكومة، بمن فيهم سارة هاكابي ساندرز، السكرتيرة الصحفية للرئيس دونالد ترامب، التي زعمت في عام 2018 أن الولايات المتحدة لا «تملي على البلدان الأخرى كيفية عملها».

انحراف إعلامي أمريكي

طورت وسائل الإعلام موقفها من كوبا بطريقة متسقة مع وصف واشنطن للثورة الكوبية بأنها غير شرعية. فما إن خرجت النخب الحاكمة بصوت واحد من الحزبين، معلنة أن فيدل كاسترو عدو، بدأت الصحافة في التغطية الإعلامية وفقاً لأهداف السياسة الخارجية. كانت زعزعة الاستقرار والتخريب والحرب الاقتصادية أدوات لسياسة تغيير النظام التي تستخدمها حكومة الولايات المتحدة؛ وساعدت وسائل الإعلام عن طيب خاطر في تشكيلها. لم يكن هناك أي جهد لدراسة الثورة كتعبير شعبي عن القومية الكوبية الحقيقية، كما يقول الكاتب.

ويوضح المؤلف: «إن التفسير الوحيد المقدم هو أن فيدل كاسترو كان متلاعباً ماهراً خدع الشعب الكوبي عن طريق مناهضة الولايات المتحدة، ثم الأسوأ في ذلك الشيوعية. ولذا، رفض السياسيون ووسائل الإعلام فهم الجذور التاريخية للثورة، لأنهم لم يتمكنوا من الاعتراف بأن هيمنة الولايات المتحدة على كوبا هي التي شكلت جزءاً كبيراً من أساسها. ربما كان الديكتاتور باتيستا هو مانع الصواعق، لكن العاصفة ضد الاستعمار الجديد كانت تختمر منذ فترة طويلة. وكان فيدل كاسترو العاصفة التي اجتاحت كل شيء ودفعته بعيداً».

أصبح تناول العلامة المعادية لأمريكا يشكل أساس التغطية القياسية مع تدهور العلاقات بين الصديقين السابقين. عندما انتقلت الثورة إلى نطاق الاتحاد السوفييتي، كان المطلوب من الصحافة وضع كلمة «شيوعية» أمام كوبا، وتعرّف الجميع على عواقبها الوخيمة. لم يعد هناك أي شك في ما يتعلق بتغطية وسائل الإعلام للدولة الجزيرة. لا يهم ما كان يتم الإبلاغ عنه – عن السياسة أو السياحة أو الرعاية الصحية أو الرياضة – إذا كان الأمر يتعلق بكوبا، فإن مجالس الإدارة في جميع أنحاء أمريكا ستحدد معايير توضح مدى توحيد المعاملة الإيجابية والسلبية، وفي الأغلبية الواضحة كان ذات طابع سلبي وضار.

ففي الفصل الثاني مثلاً يقول الكاتب: «بعد أشهر من انتصار الثورة الكوبية، لم تتمكن النخب السياسية ووسائل الإعلام الرئيسية من فهم الواقع الجديد. استوعبت عقود الهيمنة الخيال المتغطرس لحب التملك، وكيفية تحديد الولايات المتحدة مصير كوبا. لم يتردد الإعلام في تكرار الموقف الإمبريالي السائد بأن تصورات كاسترو المضللة عن الاستقلال الوطني كانت مشروطة بالتصميم الأمريكي».

يشير الكتاب إلى أن التغطية الإعلامية المتعلقة بالمرافق السياحية الجديدة دائماً ما كانت تعليقات تهدف إلى تشويه سمعة هذه المرافق. كما يظهر نجاح كوبا الدولي في الرياضة وكأنه «انشقاق» بين الرياضيين؛ فضلاً عن جوانب الضعف في الرعاية الصحية الشاملة، وأوجه القصور في البنية التحتية.

تتمثل الحيلة المفضلة لوسائل الإعلام في تقديم آراء الخبراء حول كيفية حل المشكلات الاقتصادية الخطرة التي تواجهها كوبا، مع تجاهل دائم للحصار الاقتصادي الأمريكي المنهك. فقد أعدّ معهد بروكينجز لعام 2018 تقريراً عن اقتصاد كوبا والتدابير اللازمة لتحسينه؛ لكنه لم يذكر مرة واحدة تأثير القيود الأمريكية. يعد بروكينجز واحدة من مجموعة من المؤسسات الفكرية المؤثرة التي تلجأ إليها نخبة الولايات المتحدة وإعلامها عند وضع سياسات خارجية أو إعداد تقارير لدعمها. يعلق الكاتب: «إذا تم ذكر الحصار، فإننا نقرأ غالباً ما يقدم مبررات مشكوك فيها حول سبب استمراره، كما هو الحال في افتتاحية (واشنطن بوست) لعام 2014. وعند تقديم تغطيات إعلامية عن الهيكل السياسي لكوبا، سيجري إظهاره على أنه نظام (غير ديمقراطي)، لأنه لا يتوافق مع التعاريف المفروضة من قبل الرأسماليين الأمريكيين».

منافذ إعلامية – استخباراتية

يشير الكاتب في الفصل الثالث من الكتاب إلى الحملة الإعلامية الأمريكية تجاه المعتقلين الخمسة الذين قبعوا في السجون الأمريكية، قائلاً: في ال 12 من سبتمبر 1998، تم القبض على خمسة رجال في ميامي بتهمة التجسس ضد الولايات المتحدة. تبين أن جيراردو هيرنانديز، وأنطونيو غيريرو، ورامون لابينينو، وفرناندو غونزاليس، ورينيه غونزاليس كانوا عملاء مخابرات غير مسجلين يعملون لحساب الحكومة الكوبية. على الرغم من أن القضية ساعدت في تمكين الأجواء السياسية المعادية للكوبيين المشحونة للغاية في جنوب فلوريدا، لكن تبين أن القصة كانت أكثر إقناعاً عندما تم الكشف عن أن عدداً من الصحفيين البارزين في ميامي باعوا نزاهتهم إلى الحكومة الأمريكية لضمان ألا يحصل الرجال «الكوبيون الخمسة» على محاكمة عادلة.

انضمت وسائل الإعلام الوطنية الأمريكية في الأغلبية إلى تحليل «ميامي هيرالد» عن الكوبيين الخمسة، وهو مثال على تأثير الصحيفة في الصحافة الوطنية عندما يتعلق الأمر بكوبا، مشيراً إلى أن الكثير من وسائل الإعلام الرئيسية تنظر إلى صحيفة «ميامي هيرالد» باعتبارها المنفذ الإعلامي الذي يوفر أفضل تغطية عن كوبا، وكانت دائماً ضد كاسترو فيما تنشره.

ويرى أنه إذا كانت الصحافة تؤدي عملها على نحو جيد، فإنها ستقدم تقريراً عن ضرورة حماية البلاد من الإرهابيين الكوبيين الأمريكيين، بمن فيهم المسؤولون عن تفجير خطوط كوبانا الجوية في عام 1976 التي قتلت 73 راكباً، قائلاً: «إن التاريخ المجهول للإرهاب الذي أودى بحياة أكثر من 3000 مدني في كوبا لا يزال في حفرة سوداء إعلامية عميقة».

ويذكر في الفصل الرابع أنه لأكثر من 100 عام، زمن الحرب الإسبانية الأمريكية عام 1895، عرضت وسائل الإعلام الأمريكية، مع استثناءات قليلة، رواية مثيرة للإعجاب عن كوبا. وانعكاساً لأهداف الدولة، رددت الصحافة طموحاتها في امتلاك هذه الدولة الجزيرة من أسيادها المستعمرين الإسبان. وبمجرد تحقيق ذلك، ركزت التغطية الإعلامية على الإحسان المفترض للهيمنة الأمريكية. عندما فرض هؤلاء الثوريون الذين لا يشعرون بالامتنان تصوراتهم الخاصة عن الهوية الوطنية، أصبحت وسائل الإعلام تعمل ضد كاسترو وأتباعه تحت غطاء عدم التوافق الأيديولوجي أو الخلافات السياسية مع واشنطن.

يتحدث الكاتب عن «راديو وتلفزيون مارتي» الذي كلّف دافعي الضرائب الأمريكيين الملايين منذ الثمانينات، عندما سمحت إدارة ريغان بتوزيع الدعاية في كوبا. ويشير إلى أنه سبق أن واجهت وسائل الإعلام المناهضة للثورة تهماً تتعلق باختلاس الأموال وسوء الإدارة.

ومن الأمثلة الأخرى على توقيت تلاقي وسائل الإعلام والدولة بشكل مباشر، يمكن ذكر مجلة «إنكاونتر» التي لم تعد موجودة الآن، وكانت ذات تأثير دولي تدعم باستمرار السياسة الخارجية الأمريكية خلال الانقلابات في إيران 1953، وغواتيمالا في 1954، وتشيلي في عام 1971. وتحولت إلى أصول استخباراتية أمريكية وبريطانية، مع تقديم وكالة الاستخبارات المركزية دعماً مباشراً لموظفي التحرير. لقد كانت واحدة من العديد من وسائل الإعلام التي تمولها وكالة المخابرات المركزية والمُصمَّمة لتعزيز المصالح الأمريكية لدى القراء.

نبذة عن الكاتب

* كيث بولندر صحفي مستقل عمل لأكثر من 10 سنوات مع «تورنتو ستار». وهو مؤلف كتاب «أصوات من الجانب الآخر.. تاريخ شفهي للإرهاب ضد كوبا» (بلوتو، 2010). وهو خبير عام في الشؤون الكوبية، ويحاضر في كلية الدراسات المستمرة بجامعة تورنتو.

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here