أرشيف

الجمهورية السياسية السوداء

المصدر

تأليف: كريستوفر جيمس بونر

عرض وترجمة: نضال إبراهيم

من خلال عملهم السياسي، ونضالهم؛ لأجل نيل حقوقهم الكاملة في الولايات المتحدة في الفترة من 1820 إلى 1860، بنى السود جمهورية جديدة تستند إلى نظام قانوني يرتبط فيه الأفراد بالحكومة الفيدرالية من خلال شبكة من الحقوق والالتزامات. يستعرض هذا الكتاب التاريخ الشامل لمواطنة السود في القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة، وكيف أن مشاركاتهم في وضع القوانين التشريعية؛ ساعد في تأسيس نظام قانوني عريق في الولايات المتحدة؛ لكنه لايزال يحتاج إلى تطوير أكثر.

كانت المواطنة في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر هدفاً متحركاً بشكل دائم. لم يحدد الدستور معناه الدقيق، تاركاً المشرعين وغيرهم من الأمريكيين يتصارعون حول الأسئلة الأساسية المتعلقة بمن يمكن أن يكون مواطناً، وكيف حصل الشخص على الوضع الذي فيه، والامتيازات الخاصة التي تمنحها المواطنة. في الواقع، في أواخر عام 1862، لاحظ المدعي العام الأمريكي إدوارد بيتس أن المواطنة «أصبحت الآن غير مفهومة في تفاصيلها وعناصرها، والسؤال مفتوح للحجج والنقد التخميني كما كان عند تأسيس الحكومة».

عانى السود في ظل هذا الغموض؛ لكنهم استغلوه أيضاً في الجهود المبذولة؛ لتغيير حريتهم الاسمية. يقول كريستوفر جيمس بونر، من خلال مطالبة السود بحقوق محددة، كانوا في مركز خلق معنى المواطنة الأمريكية. في العقود التي سبقت بيتس وبعده، استخدم الأمريكيون الأفارقة الأحرار، الصحف، والتجمعات العامة، والاتفاقات؛ لتقديم الحجج حول من يمكن أن يكون مواطناً، والحماية التي تنطوي عليها المواطنة، والالتزامات التي تفرضها. وهكذا لعبوا دوراً حيوياً في العملية الطويلة والشاقة؛ لتحديد من ينتمي إلى الدولة الأمريكية وشروط ذلك الانتماء.

يعيد هذا الكتاب تاريخ الطرق المختلفة التي حاول بها الأمريكيون الأفارقة عبر طيف واسع من المواقف الاجتماعية في جميع أنحاء الشمال إعطاء معنى للمواطنة الأمريكية على مدار القرن التاسع عشر. من خلال معاينة الصحف، والاتفاقات الحكومية والوطنية، واجتماعات الاحتجاجات العامة، والقضايا القانونية، وعمليات إنقاذ العبيد الهاربين، يكشف بونر عن نقاش حول الحقوق والانتماء بين الأمريكيين من أصل إفريقي، والتي يمكن أن تحدد رهاناتها مكانهم في المجتمع الأمريكي، وتشكل شروط المواطنة لجميع الأمريكيين.

امتيازات وحقوق

كان الهدف السياسي الشامل للأمريكيين الأحرار، هو تغيير الظروف القانونية لحياتهم. وجعلت الطبيعة المرنة للمواطنة الوضع أداة مهمة في هذا المسعى. في عصر الحرب الثورية الأمريكية، سن المشرعون في العديد من الولايات الشمالية تدابير لإلغاء الرق تدريجياً. إلا أن المشرعين والقضاة قيدوا أيضاً حرية السود، وحرموا الرجال السود من التصويت، وأبعدوهم من الميليشيات، ونظروا في تدابير من شأنها أن تجبر الأمريكيين الأفارقة على الخروج من ولاياتهم. اعتمد السود على مفهوم المواطنة؛ لتحدي تلك القيود والسعي إلى الحصول على حقوق وحماية محددة. يشكل الكتاب قصة ذلك العمل السياسي من 1820 إلى 1860 في الولايات الحرة. ويعاين كيف ولماذا أطلق السود على أنفسهم لقب مواطنين ومعاني هذا الشكل المعين من سياساتهم. يسلط استكشاف عملهم السياسي من هذا المنظور الضوء على الاحتمالات القانونية لوضع المواطن والطرق التي شارك بها الأمريكيون من أصل إفريقي في إعادة إنشاء النظام القانوني للولايات المتحدة في القرن التاسع عشر. كان الأمريكيون من أصل إفريقي من المشاركين النشطين في عملية بناء المواطنة، وتحديداً لمن كانت الحالة متاحة وفحواها.

كان بإمكان السود استخدام المواطنة في سياساتهم؛ لأنه لم يكن هناك أي تعريف متفق عليه لحالة المواطن في قانون الولايات المتحدة الأول. استخدم مؤلفو دستور الولايات المتحدة مصطلحي: «مواطن» و«مواطنون» 11 مرة في الوثيقة. وفقاً للدستور، كانت المواطنة معياراً للانتخاب للكونجرس أو للرئاسة، وهي وصفة لأولئك الذين قد يقاضون في المحكمة الفيدرالية، ووضعاً يضمن للفرد مجموعة غير محددة من «الامتيازات والحصانات». يمكن أن تكون المواطنة محدداً مهماً للحياة القانونية للفرد؛ لكنها لم توضح الحقوق أو الالتزامات التي ينطوي عليها الوضع أو الذين يمكن أن يطلقوا على أنفسهم اسم مواطنين. بشكل عام، اتفق الناس في الولايات المتحدة الأولى على أن المواطنة تصف العلاقة بين الأفراد والحكومة؛ لكن شروط ومحتوى العلاقة كانت غير محددة بدقة.

في أواخر عام 1862، اعترف النائب العام الأمريكي إدوارد بيتس بالغموض المستمر في الوضع. وكتب بيتس: «إن ثمانين سنة من التمتع العملي بالمواطنة، بموجب الدستور، لم تكن كافية لتعليمنا المعنى الدقيق للكلمة، أو العناصر المكونة للشيء الذي نقدره تقديراً عالياً». مهدت حالة اللايقين الطريق أمام عمل السياسة السوداء، وتمكين الأمريكيين الأفارقة من المطالبة بالحماية القانونية. على الرغم من أن الجنسية يمكن أن تكون طريقاً للحقوق، لم يصرح أي بيان قانوني حاسم بأن الوضع يجب أن يكون الأساس للهوية القانونية للفرد.

المواطنة الغامضة

ظلت المواطنة غامضة لفترة طويلة جزئياً؛ لأن العديد من المشرعين وغيرهم لم يوافقوا على أن وضع الفرد يعد مهماً لتحديد الهوية أو تأمين الحماية القانونية. كان الغموض جزئياً يأتي من حقيقة أن واضعي الدستور رفضوا حل القضايا الأساسية حول العلاقة بين الولايات والحكومة الفيدرالية. لم يكن من الواضح كيف أن السلطة القانونية للولايات تتعلق ببعضها البعض وبسلطة الحكومة الوطنية، وبالتالي فإنه من غير المؤكد أيضاً لمن يجب أن يلجأ الفرد؛ لحل النزاعات حول حقوقه أو حقوقها أو أي مستوى من الحكومة سيكون السلطة التنفيذية في تشكيل الحياة القانونية للناس. قامت حكومات الولايات والحكومات الفيدرالية بتشريع وبت في مسائل الحقوق والالتزامات، ولم يكن يهم كيفية صياغة المواطنة أو إدارتها سواء على مستوى الولاية أو المستوى الوطني أو من خلال مزيج من الاثنين.

نظر الكثير من الناس في الولايات المتحدة الأولى إلى المحاكم المحلية من أجل العدالة، ولم يكن لديهم أي إحساس وثيق بالعلاقات الوثيقة بالحكومة الفيدرالية. بشكل عام، كانت السلطة لا مركزية وكانت الحياة القانونية للأفراد فردية، خاصة في سياقاتهم، وعلاقاتهم الشخصية، والثروة، والجنس، والعرق. من خلال المطالبة بالحقوق كمواطنين، ساعد السود على جعل المواطنة أكثر أهمية، ودفع الوضع نحو المركز من مناقشات القانون، بحجة أنه يجب أن يكون حجر الزاوية لحقوق الأفراد وعلاقاتهم مع الحكومات الأمريكية.

أنشأ السود الأحرار في الشمال مؤسسات المجتمع، وطوروا ممارسات ثقافية مميزة، ونظموا ممارسة أشكال متعددة من السياسة في القرن التاسع عشر. قام الشماليون السود بكل هذه الأشياء في مواجهة التحيز والعنف العنصري والاستبعاد القانوني والضعف الاقتصادي الواسع النطاق. كان احتجاج السود قوياً؛ لأنه قدم ادعاءات حول أسس التعريفات القانونية للأفراد الأمريكيين.

تطورات قانونية

يسعى هذا الكتاب إلى تحديد العمل الذي قام به الأمريكيون السود عندما تحدثوا عن المواطنة، ودراسة أوسع احتمالات احتجاجهم على التطورات القانونية في الولايات المتحدة. هذه الدراسة مبنية على العمل الذي قام به المهمشون لتشكيل التطور القانوني في وقت مبكر من تأسيس الولايات المتحدة. وعلى الرغم من استبعاد الأمريكيين من أصل إفريقي في كثير من الأحيان من المساحات التي تم فيها صياغة القوانين والبت في قضايا المحاكم، استغل الشماليون السود أوجه عدم اليقين في القانون الفيدرالي؛ من أجل صياغة بنوده.

وقد ساعد هذا العمل، الشماليين السود على إنتاج التغييرات القانونية لعصر الحرب الأهلية. بحلول وقت الحرب، كان النشطاء قد أكدوا على مدى عقود أنه يجب النظر إلى السود على أنهم مواطنون، وأن وضع المواطن يجب أن يربط الناس بالحكومة الفيدرالية، وأن السلطة الفيدرالية يجب أن تحمي حقوق الناس.

تكشف قصة سياسة السود الأحرار عن التقنيات التي استخدمتها الجماعات المهمشة لتحدي وإعادة بناء الهياكل التي استبعدتهم. فهي قصة مشروع سياسي جذري يعمل ضمن المسارات البلاغية التي وفرتها شروط المواطنة غير المؤكدة. انتهز الأمريكيون الأفارقة الفرصة لإعادة صياغة الأسس القانونية للجمهورية؛ من خلال العمل على تغيير فهم الانتماء القانوني في الدولة. كانت قوانين الدولة، وما زالت، ضعيفة ومرنة. هذا العمل عن السود الذين يتخيلون المستقبل كأمريكيين من أصل إفريقي ويستخدمون الجنسية لبنائهم. إن فهم الطرق العديدة التي يمكن للناس فعلها وإعادة تعريف القانون يضيء إمكانات تحقيق العدالة في المجتمعات المستبعدة. يبرز الجمع بين تاريخ السياسة السوداء والقوانين الأمريكية، الطرق التي تم بها وضع القانون والطعن فيه من قبل أولئك الذين تم استبعادهم رسمياً من الحكومة. ويبرز الطرق التي تم بها استخدام القانون، الذي كان في كثير من الأحيان أداة لربط السود، لخلق إمكانات جديدة لحياة الأمريكيين من أصل إفريقي.

بنية الكتاب

تستكشف الفصول الثلاثة الأولى من هذا الكتاب عمل الناشطين السود للتواصل مع مجموعة متزايدة من المجتمعات سعياً وراء الحقوق. أولاً، يتناول المؤلف الطرق التي استخدم بها سكان نيويورك السود المواطنة للاحتجاج على الحرمان. انضم الناس في نيويورك إلى أولئك الذين واجهوا قيوداً مماثلة في ولايات أخرى، وأوضحوا أنهم بنوا مجتمعاتهم، وكانوا من المواطنين، ويجب أن تنطوي المواطنة على حقوق سياسية رسمية. يربط الفصل السياسة السوداء بالنقاشات حول توسع الدولة في أوائل عام 1840. وبينما نظر المشرعون في ضم تكساس والجغرافيا المتغيرة للعبودية، اعترض الناشطون السود على القيود القانونية على مستوى الدولة مع مناشدات للسلطة الفيدرالية، بحجة أنهم يجب أن يمتلكوا حقوقاً من خلال وضع المواطن الوطني؛ لتعزيز الوحدة السياسية السوداء والعلاقة مع الحكومة الفيدرالية، قدموا أنفسهم كهيئة من المواطنين الأمريكيين من أصل إفريقي، مجتمعاً وطنياً مرتبطاً بوضع قانوني مشترك.

في ربيع عام 1848، جذبت الثورات في جميع أنحاء أوروبا انتباه الأمريكيين. يركز الفصل الثالث على أفكار فريدريك دوجلاس حول أوروبا والطرق التي هاجم بها النشطاء نفاق أمة من العبيد الذين أشادوا بميلاد جديد للحرية في الخارج. أثر السفر والقراءة عن أوروبا في الطرق التي تصور بها السود مسألة المواطنة، وعملوا من أجل تحقيق تغيير قانوني في أواخر عام 1840.

يركز النصف الثاني من الكتاب على مجموعة من استراتيجيات الاحتجاج التي استخدمها النشطاء السود وسط سلسلة من نقاط التحول القانونية والسياسية خلال منتصف القرن التاسع عشر. شكل السلافيون التهديد الأكثر إلحاحاً لحرية الشماليين السود. استخدم النشطاء الجنسية؛ للدفاع عن الحماية القانونية، بما في ذلك محاكمة أمام هيئة محلفين لأي شخص يُدعى أنه هارب من العبودية.

يعاين الفصل الرابع من هذا العمل سنوات 1830-1840 إلى جانب عمليات الإنقاذ خارج نطاق القانون، والتي طالبت أيضاً بالحماية القانونية لحرية السود. أدت قوة هذه الأشكال المتعددة من السياسة السوداء إلى دفع الجنوبيين في الكونجرس إلى تمرير قانون العبيد الهاربين لعام 1850، وهو قانون أنشأ جهازاً جديداً كبيراً لاعتقال السود في الشمال، وشحنهم إلى العبودية في الجنوب. وبالمقابل، أنتجت سياسات مواطنة السود لحظات أخرى من الأزمات والفرص في العقدين التاليين. في مايو/أيار 1857، أقام رئيس القضاة روجر تاني حاجزاً قانونياً جديداً مصمماً لإسكات حجج الأمريكيين الأفارقة حول المواطنة عندما حكم بأن السود لا يمكن أن يكونوا من المواطنين الأمريكيين أبداً. يتتبع الفصل الخامس ردود السود على حكم تاني.

أنكر الناشطون سلطة تاني، وعملوا على ضمان بقاء شروط المواطنة أساساً للنقاش وأداة سياسية مفيدة.. سعى النشطاء للتجنيد والأجر المتساوي من خلال تقديم أنفسهم كمواطنين، متوقعين أن هذا الوضع وتضحيتهم سوف يضمنان حقوقهم في وقت السلم.

يوضح الفصل السادس كيف استمرت أشكال السياسة ما قبل الحرب إلى حقبة الحرب الأهلية، وكيف صاغت مناقشات عاجلة حول معنى المواطنة وأهمية الاقتراع. في يونيو/حزيران عام 1866، وافق الكونجرس على التعديل الرابع عشر، الذي منح الجنسية للسود الذين ولدوا في الولايات المتحدة، وكفل «الحماية المتساوية وفق القوانين» للمواطنين الأمريكيين.

صياغة شروط المواطنة

يختم مؤلف الكتاب عمله في أعقاب هذا الإجراء؛ حيث عاش السود إمكانات وحدود وضع المواطن. ويشير إلى أن «غموض التعديل الرابع عشر، ووحشية مقاومة البيض لحقوق السود، وإخفاقات الإنفاذ القانوني، تتطلب بشكل متزايد أن يواصل الأمريكيون الأفارقة العمل الذي قاموا به في فترة ما قبل الحرب، ويكافحوا من أجل صياغة شروط المواطنة وجعل هذا الوضع أمراً جاداً في حياتهم». يأتي الكتاب في 272 صفحة باللغة الإنجليزية ضمن أمريكا في القرن التاسع عشر في مطبعة جامعة بنسلفانيا (20 مارس/آذار 2020)

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here