تقارير

الانكشاريون الجدد وأوهام «السلطان»

المصدر

محمود حسونة

يسير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيراً حثيثاً على خطى أجداده، ومن يتتبع خطواته وقراراته في تركيا يدرك أنه قرر أن لا يخرج عن النص العثماني، فبعد أن لفظت تركيا المرحلة العثمانية واختارت أن تكون دولة علمانية لا تتاجر بالدين وتسعى للارتماء في الحضن الأوروبي أملاً في أن يضعها ذلك في مصافّ الدول المتقدمة، وبعد أن اكتشف أردوغان أن لا مكان له على خريطة الاتحاد الأوروبي، وأن بلاده لن تكون دولة علمانية وأنها أصبحت ترقص على السلّم، لا هي أوروبية علمانية ولا هي إسلامية، فتح دفاتر التاريخ وقرر استنساخ تجربة الأجداد.

كتاب الأجداد، يفرض في فصوله الأولى استعادة دولة الخلافة، وهو حلم يتلاقى مع أحلام أحفاد حسن البنا وسيد قطب، ولا مجال لتحقيق الحلم سوى بالتنسيق مع جماعة الإخوان الإرهابية وما أفرزته على مدار ما يقرب من قرن من جماعات تكفير وعنف وإرهاب، تتفق جميعها في الهدف وإن ادّعت الاختلاف في النهج، والهدف الموحد الذي لم يعد خافياً على أحد هو هدم الدول العربية وتبني فكرة كونداليزا رايس وزيرة خارجية جورج بوش الابن بنشر ما أسموه الفوضى الخلاقة واستغلالها للانقضاض وإسقاط الدول وخلط الأوراق تمهيداً لإعلان دولة الخلافة ووضع مقدرات ومصير المنطقة بين يدي «السلطان» أو «الخليفة» أردوغان، أما الإخوان وأشقاؤهم في الإرهاب فسوف يكونون الولاة على الولايات العثمانية، ينتظرون الفرمانات القادمة من أنقرة يوماً بيومٍ.

الفصل الثاني من الكتاب، يفرض استنساخ تجربة الإنكشاريين الذين لعبوا الدور الأهم في بناء هذه الدولة، كما كان لهم دور مهم في إضعافها والتمهيد لإسقاطها، ووجد أردوغان ضالته في المرتزقة، فهم الإنكشاريون الجدد، وإذ كان السلطان مراد الأول قد درب الإنكشاريين في معسكرات وحولهم إلى روبوتات لا تعرف سوى القتال والمطالبة بالغنائم، فإن السلطان أردوغان استغل ظروف سوريا وجعل منها معسكراً لتدريب المرتزقة القادمين من الشرق والغرب وتحويلهم إلى دمى لا تعرف سوى القتال والولاء لمن يدفع لهم الدولار؛ ومثلما ساهم الإنكشاريون بدور فعال في تكوين إمبراطورية الأجداد، يأمل أردوغان أن يلعب المرتزقة الدور نفسه في استعادة إمبراطورية الوهم بعد هدم الدول المجاورة وغير المجاورة ممن تضمنتهم خريطة الخلافة المأمولة.

الإنكشاريون الجدد أصبحوا الوقود الذي يشعل به أردوغان فتيل معاركه الهادفة لتدمير وتخريب دول بعينها، فبعد أن تدربوا في سوريا ونجحوا في تخريبها وتشريد أهلها وقتل أطفالها ونسائها وشيوخها، استعان بهم سلطان الوهم لتركيع ليبيا بعد تدخله فيها من بوابة حكومة الوفاق وأرسل إليها الآلاف من الإنكشاريين الجدد، ولكن يبدو أن حلمه لن يتحقق بعد اشتباك المسلحين في مدن الغرب مع المرتزقة وخروج المظاهرات الغاضبة الرافضة لتدخل أردوغان ووجود مرتزقته، وإعلان وكيله الرسمي هناك فائز السراج الاستقالة، وتكشير الجيش المصري عن أنيابه استعداداً لأي معركة حماية للأمن القومي المصري والعربي.

كل هذه العوامل، بجانب تمرد بعض المرتزقة بعد تأخر تسليمهم المستحقات المادية القادمة من قطر، أحبط مخطط سلطان الوهم، وإن كانت محاولاته لم ولن تتوقف حتى يكون هو نفسه وقوداً لإنكشارييه.

الرئيس التركي بحث عن أرض جديدة يخوض فيها معركته، فمارس لعبته المفضلة على ضحية العثمانيين التاريخية؛ ويبدو أنه لا يكفي للأتراك قتل مليون ونصف المليون من الأرمن، فقرر أردوغان إرسال الإنكشاريين الجدد من مرتزقته، للمشاركة بجوار أذربيجان ضد الأرمن في المعركة المشتعلة حالياً في إقليم ناجورنو كاراباخ، والتي راح ضحيتها حتى الآن الآلاف من الطرفين، وذلك رغم رفض الدب الروسي للتدخل التركي في عرينه، خاصة وأن لروسيا مصالح ونفوذاً تاريخياً في المنطقة ولن تقبل أن تقف تتفرج على التجاوزات التركية في مناطق أمنها القومي.

الزمن لا يعود إلى الوراء، ومن يغرق في الماضي لن ينال سوى صفعات المستقبل، وزمن الخلافة ولّى إلى غير رجعة، والإنكشاريون الجدد الذين يحاول أردوغان استغلالهم لتحقيق أوهامه لن يكونوا إنكشاريي أجداده، بل قد يتحولون إلى وقود للنار التي تحرقه وتحرق أحلامه، ولننتظر عبر ودروس الزمن لعلها تفيق الغافلين وتهلك من يسعون لهلاك البشرية.

mahmoudhassouna2020@gmail.com

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here