أرشيف

الانتخابات الأمريكية وحقائق التغيير

المصدر

محمد خليفة

ينشغل العالم أجمع بسباق الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، نظراً لتأثير هذه الدولة الكبيرة، ليس على دول المنطقة وحدها، بل على دول العالم أجمع، وبالتالي فاتجاهات السياسة فيها تلقى متابعة حثيثة لمعرفة ما هي أجندة الرئيس المقبل، وكيف سيتعامل مع الملفات العالمية الساخنة والباردة على حد سواء.

منذ أن ظهرت الولايات المتحدة كقوة عالمية عظمى في النصف الثاني من القرن العشرين ظلت تتبع سياسة هجومية على نطاق دولي واسع، وأضحت تتدخل في مختلف الشؤون الدولية، فلا يمر حادث مؤثر في أية دولة من دون أن يكون لها تعليق عليه، أو تدخل فيه، مستعينة في ذلك بقدرة عسكرية هائلة أثبتت جدواها من خلال الانتصار الساحق الذي حققته على دول المحور في الحرب العالمية الثانية، فالدولة الحليفة، والخاضعة لسياستها تنعم بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية، أما تلك التي تتبنى سياسة مخالفة وتخرج عن الطوق، فكانت تُثار في وجهها زوابع سياسية واقتصادية عبر فرض عقوبات اقتصادية وسياسية واسعة، من أجل إخضاعها.

وقد تسببت العقوبات في أضرار كبيرة للعديد من الدول، وعلى رأسها كوبا التي حوصرت نصف قرن، وأيضاً الصين تعرضت لحصار دام نحو عقدين من الزمن، أما الاتحاد السوفيتي فقد تعرض لحرب باردة ظلت مفروضة عليه حتى لحظة انهياره عام 1991، أما العراق فقد حوصر بعد غزوه للكويت وظل الحصار قائماً عليه حتى تم احتلاله وتدميره بشكل كامل. لكن تلك القوة الأمريكية الجبارة سرعان ما دب فيها العطب وأنهكها التعب نظراً لحجم العبء الثقيل الملقى على كاهلها، وظهرت عليها علامات الإنهاك الاقتصادي مترافقة مع كلفة غزو العراق التي فاقت تريليون دولار من دون تحقيق نتائج مقبولة، حيث أضحى العراق مفككاً عاجزاً عن النهوض من جديد، كما زادت التدخلات الإقليمية فيه بشكل لافت للنظر.

وتقترب الانتخابات الأمريكية وسط تصاعد التوتر والخلاف بين الحزبين الحاكمين في الولايات المتحدة، فالديمقراطيون الذين اعتبروا أن ترامب لم يفز بمنصب الرئاسة عن جدارة، لا يزالون يعملون على إفشاله وإنهاء إرثه السياسي بشكل كامل. وفي نفس الوقت فإن الجمهوريين ليسوا، في غالبيتهم، على توافق تام مع سياسات ترامب، فمنهم من يقول: إن حزبهم، حزب لينكولن والأسواق الحرة والحكم غير المطلق، قد اختُطف لحساب حفنة من الأفراد لا تؤمن بأيٍ من هذه المبادئ، وأن عليهم أن يدينوا بقوة هذه النسخة المستهجنة من حزبهم، وأن يوقفوا مسيرة المنتفعين والمتطفلين.

لقد أثار ترامب الكثير من التوترات العنصرية، فوضع حظر سفر إلى الولايات المتحدة على مواطني مجموعة من الدول الشرق أوسطية بحجة منع وصول الإرهابيين إلى الأرض الأمريكية، وسعى إلى بناء جدار مكلف على طول الحدود مع المكسيك على نفقة الدولة المكسيكية ورغماً عنها. وأثار حرباً تجارية غير مفهومة ضد الصين انعكست بالسلب على اقتصاد العالم كله، وبالإضافة إلى ذلك، فقد أظهر عدم الاهتمام بالحلفاء في الاتحاد الأوروبي واليابان، بل طالبهم بأن يدفعوا للولايات المتحدة نظير حمايتهم. وهذه الأجندة الطويلة من القرارات التي أقدمت عليها إدارة ترامب، والتي لا يعتبرها حكماء السياسة قرارات جيدة، يتخذها المرشح الديمقراطي جو بايدن برنامجاً انتخابياً له في سباقه الرئاسي للوصول إلى البيت الأبيض. ولذلك سوف يعمل، حال فوزه، على ترميم العلاقة بحلف شمالي الأطلسي «الناتو».

من هذه القرارات الانسحاب من «اتفاقية باريس للمناخ»، وطلب ترامب من الأوروبيين زيادة مساهماتهم في تمويل الحلف، ومحاولته ضرب الوحدة الأوروبية، وسحب نحو 12 ألف جندي أمريكي من ألمانيا، وإظهار عدم مبالاة بالحلفاء في الشرق الأقصى من خلال إلغاء اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP). كما أغضب ترامب العالم بإعلانه مغادرة «منظمة الصحة العالمية»، في أوج انتشار الوباء العالمي ما أعطى انطباعاً بأن الولايات المتحدة غير مهتمة بصحة شعوب العالم، لما تمثله المنظمة الدولية لدى مختلف الدول كجهة مؤتمنة على الصحة العالمية. وخلال طرحه لبرنامجه الانتخابي، تعهد بايدن بالتواصل مع قادة «الناتو» بمجرد فوزه وعقد قمة بعنوان «لقد عدنا» في العام الأول من توليه الرئاسة. كما أعلن أنه سيلغي حظر السفر لأن الولايات المتحدة يجب أن تحافظ على تقاليدها وقيمها.

لا شك أن الولايات المتحدة اليوم أمام مفصل تاريخي، فإذا أعيد انتخاب ترامب فذلك يعني أن التيار السياسي الذي تمثله إدارته سيصبح واقعاً سياسياً جديداً في الولايات المتحدة.

med_khalifaa@hotmail.com

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here