تقارير

أكثر من أزمة مهاجرين

المصدر

يحيى زكي

في الأسبوع الماضي أشار إيمانويل ماكرون إلى أزمة يعيشها بعض مسلمي فرنسا، تتمثل في عدم التكيف مع المجتمع والعجز عن الاندماج فيه. وما ذهب إليه الرئيس الفرنسي ليس بجديد، حيث يبدو أن هناك مشكلة حقيقية وعميقة تعانيها شرائح سكانية من المسلمين في أوروبا، وفي المقابل هناك حساسية نلمسها بين الحين والآخر في مقولة لهذا السياسي أو تصريح لذلك الزعيم الحزبي، تؤكد أن بعض الأوروبيين برغم الانفتاح وادعاء التعددية لا يزالون أسرى رهاب الأغراب والأجانب، خصوصاً المسلمين.

إن ما طالب به ماكرون من ضرورة التكاتف لإنتاج خطاب ديني إسلامي مستنير يتوافق مع قيم فرنسا، هو مطلب شبيه بما دعا اليه الكثيرون في العالم الإسلامي، ولكن المسألة في أوروبا أكثر تعقيداً من ذلك، فمن هؤلاء المسلمون الذين يعيشون في حالة انفصال مع المجتمعات الأوروبية؟ الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى دراسات تتعلق أولاً بعلم الاجتماع، فنحن عندما نتحدث عن هؤلاء المسلمين لا نحدد ماذا نعني على وجه الدقة، حيث تتداخل مصطلحات مثل: الأقليات واللاجئون والمهاجرون، وكل مصطلح يؤشر إلى فضاء اجتماعي له قوانينه التي تشكل في النهاية أفراداً يستطيعون التفاعل مع مجتمعهم الجديد.

منذ سنوات قليلة قدرت المنظمة الدولية للهجرة أرباح تجارة السفر في قوارب الموت وبأساليب غير شرعية ب 10 مليارات دولار سنوياً، ولنا أن نتخيل ثقافة المسافر في تلك القوارب ووضعه النفسي ومعاناته وسخطه على الحياة، ثم معاناة أخرى سيعيشها في البحث عن عمل وفي التعامل مع فضاء حضاري مغاير لكل ما يعرفه، هو لن يكون بالضرورة عرضة لتبني الفكر المتشدد، لكنه لن يندمج في ذلك الفضاء.

وتوجد مشاكل أخرى يعاني منها اللاجئون والمهاجرون بأساليب شرعية، وحتى الجيل الثاني من هؤلاء، الذين يبدو أنهم أكثر اندماجاً واستيعاباً لثقافة مجتمعاتهم من آبائهم يتعرض بعضهم أحياناً للتمييز. نحن ننسى دائماً أن أوروبا لم تستقبل الآخر إلا منذ عقود ربما لا تتجاوز الخمسينات من القرن الماضي، أي أن ثقافة تسامح وتعايش الأغلبية مع الأقليات طارئة ولم تتجذر بعد، هذا فضلاً عن صراع سياسي داخلي أوروبي يلعب أحياناً بورقة المسلمين، ويؤشر إلى وضع وحالة اليمين المتطرف ورؤيته للأقليات في هذا البلد أو ذاك.

تتعدد أبعاد مشاكل المسلمين في أوروبا، بل يمكن لقراءة أخرى رصد مفاصل تلك المشاكل من زاوية التطور اللا متكافئ في التنمية بين الشمال والجنوب، ولا يمكن التعامل معها بالقول فقط إن الإسلام يمر بأزمة، كما ذهب ماكرون، فمثل تلك القناعة ربما تفجر حرب هويات لا نهاية لها.

عن مصدر الخبر

المصدر

Editor

Ads Here