الأرض غير صالحة للسكن
تأليف: ديفيد والاس-ويلز
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
تعاني الأرض تحت وطأة التغير المناخي، ويمكن أن تصبح غير صالحة للسكن في وقت ما، وتحدث هذه التغيرات بسبب التطور الصناعي البشري، إذا لم نجد طريقة للحد من الاحتباس الحراري، فإن الحياة على الأرض تتجه نحو الزوال، هل يمضي العالم نحو تدمير نفسه أم سيعقد العزم على مواجهة الكارثة البيئية التي صنعناها بأيدينا؟
هذا الكتاب ليس عن علم الاحتباس الحراري، وإنما يبحث في معنى الاحتباس الحراري بالطريقة التي نعيش بها على هذا الكوكب، إنه بحث معقد لأنه مبني على مستويين من عدم اليقين: ما سيفعله الإنسان، في الأغلب فيما يتعلق بانبعاث غازات الدفيئة، وكيف سيستجيب المناخ، من خلال التدفئة المباشرة ومجموعة متنوعة من حلقات التغذية المرتدة الأكثر تعقيداً، بل والمتناقضة أحياناً.
يأتي هذا الكتاب في أربعة أجزاء هي: أولاً: «مجموعات صغيرة»، ثانياً: «عناصر الفوضى» يتضمن الفصول التالية: الموت الحراري، جوع، غرق، حريق هائل، كوارث لم تعد طبيعية، استنزاف المياه العذبة، موت المحيطات، هواء لا يُستنشق، طاعون الاحترار، الانهيار الاقتصادي، الصراع المناخي، أنظمة. ثالثاً: «المناخ المتغير» ويتضمن الفصول التالية: سرد قصصي، أزمة الرأسمالية، كنيسة التكنولوجيا، سياسة الاستهلاك، التاريخ بعد التقدم، الأخلاق في نهاية العالم. رابعاً: «مبدأ أنثروبي».
مزيد من الكربون
يقول المؤلف في مقدمته: «ربما تعتقد بأن بطء التغير المناخي قصة خيالية، وربما تعتقد أنه لا يحدث على الإطلاق. هذه الرواية تظهر لنا مع العديد من الروايات الأخرى في مجموعة من الأوهام المطمئنة لتقول: إن الاحتباس الحراري هو قصة القطب الشمالي، تتكشف عن بعد؛ وهو يتعلق بمستوى سطح البحر والمناطق الساحلية على وجه الدقة، وليس أزمة لا ينجو منها مكان ولا تترك حياة دون تشويه؛ إنها أزمة في العالم»الطبيعي«، وليست أزمة إنسانية».
ويرد على ما ورد أعلاه: «لا شيء من هذا صحيح. ولكن لنبدأ بسرعة التغيير. لقد شهدت الأرض خمس حالات انقراض جماعي قبل التي نعيشها الآن، وكل منها تكمل عملية مسح السجل الأحفوري فتقوم بوظيفة إعادة تكيف للعملية التطورية؛ حيث تتسع شجرة النشوء والتطور في الكوكب أولاً، ثم تنهار، على فترات، مثل الرئة: 86 في المئة من جميع الأنواع ماتت منذ 450 مليون سنة مضت؛ وبعد 70 مليون سنة 75 في المئة؛ بعد 100 مليون سنة مات 96 في المئة؛ ثم بعد 50 مليون سنة 80 في المئة؛ بعد ذلك ب 150 مليون سنة مات 75 في المئة مرة أخرى».
ويضيف: «إذا كنت بالغاً سن الرشد، فربما قرأت في كتبك المدرسية بالمدرسة الثانوية، أن حالات الانقراض هذه كانت نتيجة للكويكبات. وفي الواقع، كل هذه الحالات ما عدا التي قتلت الديناصورات، أسهمت في تغير المناخ الناتج عن الغازات الدفيئة. وكان أعتاها منذ 252 مليون سنة. بدأ ذلك عندما عمل الكربون على رفع حرارة الكوكب بمقدار خمس درجات مئوية، وتسارعت هذه العملية عندما تسبب هذا الاحترار في إطلاق غاز الميثان، وهو غاز آخر من الغازات الدفيئة، وأدى ذلك إلى موت كل ما على الأرض باستثناء جزء بسيط من الحياة. ونحن نضيف حالياً الكربون إلى الغلاف الجوي بمعدل أسرع بكثير؛ وبحسب معظم التقديرات، بشكل أسرع عشر مرات على الأقل. هذا المعدل أسرع بمئة مرة من أي وقت مضى في تاريخ البشرية قبل بداية التصنيع. وفي الوقت الحالي يوجد بالفعل، ثُلث كامل من الكربون الإضافي في الغلاف الجوي أكثر من أي وقت مضى خلال ثمانمئة ألف سنة الأخيرة ربما في ما يصل نحو 15 مليون سنة. لم يكن هناك بشر آنذاك. وكان مستوى المحيطات أعلى مما هو عليه بمئة قدم».
الأخلاق والاقتصاد
يرى الكثيرون أن ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي شكل من الديون الأخلاقية والاقتصادية المتراكمة منذ بداية الثورة الصناعية، والتي تظهر الآن بعد قرون عدة. والواقع أن أكثر من نصف الكربون المنبعث في الغلاف الجوي بفعل حرق الوقود الأحفوري قد انبعث في العقود الثلاثة الماضية فقط. وهو ما يعني أننا قد ألحقنا أكبر قدر من الضرر بمصير الكوكب وقدرته على الحفاظ على حياة الإنسان وحضارته، منذ أن نشر السياسي الأمريكي آل غور كتابه الأول عن المناخ، مقارنة بما كان عليه في جميع القرون، إن لم نقل آلاف السنين التي سبقتها. وقد أنشأت الأمم المتحدة إطار عملها الخاص بتغير المناخ في عام 1992، وبناء توافق سياسي في الآراء على أساس توافق علمي وإعلانه للعالم بشكل لا لبس فيه؛ وهذا يعني أننا قد ألحقنا الآن الضرر بالبيئة عن علم، يفوق ما ألحقناه في أي وقتٍ من الأوقات عن جهل«.
يقول المؤلف: «لقد فهم العلماء التأثير الضار للغازات الدفيئة، وفهموا الطريقة التي يمكن بها للكربون الناتج عن الخشب المحترق والفحم والنفط أن يرفع من حرارة الكوكب ويفسد كل شيء فيه، لمدة ثلاثة أرباع قرن من الزمن. لكنهم لم يروا التأثير بعد، لم يروا في الواقع حتى الآن، الأمر الذي جعل المسألة تبدو أقل من حقيقة ملحوظة أكثر من كونها نبوءة مظلمة، والتي لن تتحقق إلا في مستقبل بعيد جداً أو ربما لن تتحقق أبداً».
ويضيف: «في الوقت الذي توفي فيه والدي في عام 2016، بعد أسابيع من التوقيع اليائس على اتفاقية باريس. كان النظام المناخي يميل نحو الدمار، ويتجاوز عتبة تركيز الكربون 400 جزء في المليون في الغلاف الجوي للأرض، بشكل مخيف في لغة علم المناخ المألوفة والذي ظل، لسنوات، الخط الأحمر الساطع الذي رسمه علماء البيئة في مواجهة هائجة للصناعة الحديثة، وينصحون بعدم تجاوزه. بالطبع، واصلنا العمل: بعد عامين فقط، حققنا معدلاً شهرياً بلغ 411، وهناك شعور بالذنب يغمر هواء كوكب الأرض بقدر الكربون الموجود فيه، ومع ذلك نختار الاعتقاد بأننا لا نستنشقه».
عدم اليقين
توفي روجر ريفيل الذي كان أول من أعلن عن ارتفاع حرارة الكوكب في عام 1991، لكن والاس سميث بروكر، الذي ساعد على نشر مصطلح «الاحتباس الحراري»، ما زال يقود سيارته إلى العمل في مرصد لامونت دوهرتي للأرض عبر هودسون كل يوم من الأبر ويست سايد. في بعض الأحيان يتناول الغداء في محطة وقود قديمة في جيرسي تم تجهيزها مؤخراً كمطعم. في السبعينات من القرن الماضي، أجرى بحوثه بتمويل من شركة إكسون، وهي الآن شركة مستهدفة لمجموعة من الدعاوى القضائية بشأن الانبعاثات.
هذا هو المسار الذي نسير عليه بلا مبالاة، فارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من أربع درجات مئوية فوق المعدل الطبيعي بحلول عام 2100. فإن هذا يعني أن مناطق بأكملها في إفريقيا وأستراليا والولايات المتحدة، وأجزاء من أمريكا الجنوبية إلى الشمال من باتاغونيا وآسيا جنوب سيبيريا، ستصبح غير صالحة للسكن بسبب الحرارة المباشرة والتصحر والفيضانات. من المؤكد أن هذا الأمر سيجعل هذه المناطق محفوفة بالمخاطر مع العديد من المناطق الأخرى. هذا هو خط سير الرحلة الخاص بنا. وهذا يعني أنه إذا وصل الكوكب إلى حافة كارثة مناخية في غضون حياة جيل واحد، فإن مسؤولية تجنبها تعود إلى جيل واحد أيضاً.
من المتوقع صدور تقرير مناخي جديد في عام 2022، ولكن آخر تقرير يقول إنه من المرجح أن نحصل على حوالي 3.2 درجة من الاحترار إذا اتخذنا إجراء بشأن الانبعاثات في القريب العاجل، وطبقنا على الفور جميع الالتزامات التي تم التعهد بها في اتفاقيات باريس، لكن بالفعل لم ينفذ أي شيء منها حتى الآن، وهنا سيشهد الكوكب ثلاثة أضعاف ما شهده من ارتفاع في الحرارة منذ بداية التصنيع، ويحدث انهيار الصفائح الجليدية للكوكب بما لا يمكن تصوره. في نهاية المطاف، لن يغمر ذلك ميامي وداكا فحسب، بل أيضاً شنغهاي وهونغ كونغ ومئة مدينة أخرى في جميع أنحاء العالم. يقال إن نقطة التحول لهذا الانهيار تبلغ حوالي درجتين؛ ووفقاً لدراسات عدة أجريت مؤخراً، فإنه حتى الوقف السريع لانبعاثات الكربون يمكن أن يجلب لنا هذا القدر من الاحتباس في نهاية القرن الحالي.
تحرّك سريع
يقول الكاتب في الفصل الأول من الجزء الثاني: إن البشر، مثل جميع الثدييات، محركات حرارية؛ والبقاء على قيد الحياة يعني الاضطرار إلى التهدئة باستمرار، كما تفعل الكلاب التي تلهث. لذلك، يجب أن تكون درجة الحرارة منخفضة بدرجة كافية حتى يعمل الهواء كنوع من المبرد، مما يؤدي إلى تسخين البشرة حتى يتمكن المحرك من الاستمرار في الضخ. عند سبع درجات من الاحترار، يصبح ذلك مستحيلاً بالنسبة لأجزاء من الحزام الاستوائي للكوكب، وخاصة المناطق المدارية؛ حيث تفاقم الرطوبة من المشكلة. وسيكون التأثير سريعاً: بعد بضع ساعات، سيتم طهي جسم الإنسان حتى الموت من الداخل والخارج.
ويضيف: عند أحد عشر درجة أو اثنتي عشرة درجة مئوية من ارتفاع درجات الحرارة، فإن أكثر من نصف سكان العالم، كما تم توزيعهم اليوم، سيموتون بسبب الحرارة المباشرة. من شبه المؤكد أن الأمر لن يحدث في أي وقت قريب، على الرغم من أن بعض نماذج الانبعاثات توصلنا بسرعة إلى هذا الحد النهائي. ولكن في خمس درجات فقط، وفقاً لبعض الحسابات، ستكون أجزاء كاملة من الكرة الأرضية غير قابلة للحياة بشكل فعلي للبشر. في الدرجة السادسة، يصبح العمل الصيفي من أي نوع مستحيلاً في وادي المسيسيبي الأدنى، وسيعاني الجميع في الولايات المتحدة شرقي جبال روكي الحرارة أكثر من أي منطقة أخرى في العالم اليوم. ستكون مدينة نيويورك أكثر سخونة من البحرين الحالية التي تعد واحدة من أسخن المناطق في العالم.
ويقول في الجزء الأخير: ماذا لو كنا مخطئين؟ وعلى العكس من ذلك، فإن عقوداً من إنكار المناخ والتضليل في المعلومات، جعلت من ظاهرة الاحتباس الحراري ليست مجرد أزمة بيئية، بل هي رهان كبير بشكل لا يصدق على شرعية وصلاحية العلم والطريقة العلمية نفسها.
ما يتبقى لدينا هو مجموعة من التنبؤات التي يمكن أن تبدو مزيفة حول درجات الحرارة العالمية، وارتفاع مستوى سطح البحر، وحتى تواتر الإعصار، وحجم الأراضي الجدباء. ولكن، على كل حال، ليس السؤال عن كيفية إحداث الأشياء السيئة اختباراً للعلم؛ إنه رهان على النشاط البشري. ما الذي سنفعله على وجه السرعة لوقف الكارثة، وكيف؟، بحسب الكاتب.
ويشير إلى أنه لا نعرف الشكل الدقيق الذي ستتخذه هذه المعاناة، ولا يمكننا التأكد بالضبط كم فدان من الغابات سيحترق كل عام من القرن المقبل، وإطلاقه في الهواء كميات مهولة من الكربون المخزن على مدى قرون. أو كم من الأعاصير سوف تسطح الجزر الكاريبية؛ أو حيث من المحتمل أن تنتج المجاعات الكبرى أولاً مجاعات جماعية؛ أو التي ستكون أول وباء كبير ينتج عن ظاهرة الاحتباس الحراري. لكننا نعرف ما يكفي لنرى، حتى الآن، أن العالم الجديد الذي نخطو إليه سيكون غريباً للغاية عن عالمنا، وقد يكون كذلك كوكباً آخر تماماً.
نبذة عن الكاتب
ديفيد والاس-ويلز صحفي أمريكي معروف بكتاباته عن تغير المناخ. كتب مقالة عام 2017 بعنوان: «الأرض غير صالحة للسكن» والتي وسّعها لاحقاً لتصبح الكتاب الذي بين يدينا. التحق والاس بجامعة شيكاغو وتخرج من جامعة براون في عام 2004 بشهادة في التاريخ.
عمل ديفيد والاس ويلز في مجلة «نيويورك»؛ حيث يشغل منصب نائب رئيس التحرير. كما يكتب لصحيفة «الجارديان». منذ عام 2017، كتب والاس ويلز، الكثير عن تغير المناخ في مجلة «نيويورك».
لقد قال إنه متفائل بالمستقبل البيئي للأرض، لكنه لا يزال حذراً. وقال إنه بغض النظر عن درجة الأضرار البيئية، «يمكن أن يحتوي العقد المقبل على مزيد من الاحتباس، والمزيد من المعاناة، أو احتباس أقل ومعاناة أقل».