التحيّز العرقي
تأليف: جنيفر إيبرهاردت
ترجمة وعرض: نضال إبراهيم
التحيز الضمني تجاه العرق المختلف هو نوع من العدسات المشوهة الناشئة من بنية دماغنا والتفاوتات في مجتمعنا. يعاين هذا الكتاب هذه القضية الخطيرة ويتوقف عند ماهيتها، ومصدرها، وتأثيرها وكيفية معالجتها، وذلك من خلال العديد من القصص والتجارب الشخصية، والأحداث العنصرية التي أودت بحياة الكثيرين، أو تأثروا بالصور النمطية المنتشرة حول عرق دون الآخر.
البروفيسورة جنيفر إيبرهاردت أكاديمية رائدة؛ أستاذة علم النفس بجامعة ستانفورد الأمريكية الإفريقية، وبصفتها عضواً مؤسساً ومديراً مشتركاً لسبارك (الإجابات النفسية الاجتماعية لأسئلة العالم الحقيقي)، فإنها مهتمة للغاية بتحقيق الفهم الذي كشفت عنه هي وغيرها حول التحامل والتحيز العرقي للتأثير في معالجة القضايا الاجتماعية.
كانت تهتم بقضايا العرق والتحيز منذ أن كانت طفلة، وألفت مؤخراً كتابها هذا الصادر عن دار فايكينغ في 350 صفحة من القطع المتوسط باللغة الإنجليزية بعنوان «متحيّز: الكشف عن التحيز الخفي الذي يشكّل ما نراه ونفكره ونفعله». فقد نشأت في حي كل سكانه من السود في كليفلاند بولاية أوهايو. تقول: «في أحد الأيام، أعلن والدي أن العائلة ستنتقل إلى ضاحية كليفلاند في بيتش وود». وتضيف أنها عندما وصلت إلى «هناك لاحظت شيئاً غريباً: لم أعد قادرة على تمييز وجوه الناس عن بعضها».
نشأ هذا العمل من بحث إيبرهاردت حول رابطة الجريمة السوداء، ومع ذلك فهي ليست الرابطة الوحيدة المهمة، والسود ليسوا المجموعة الوحيدة المتأثرة. وتعلق على ذلك: «إن تقصي دور التحيز الضمني في ميدان العدالة الجنائية يمكن أن يعلمنا دروساً أكبر حول من نحن، أين كنا، وماذا يمكن أن نكون، بغض النظر عن مجموعتنا الاجتماعية أو الجماعات التي قد نكون متحيزين نحوها».
هذا الكتاب هو معاينة لقضية التحيز الضمني، والتوقف عند ماهيته، مصدره، كيفية تأثيره علينا، وكيف يمكننا معالجته. تقول المؤلفة: «لا يعدّ التحيز الضمني طريقة جديدة في وصف شخص ما بأنه عنصري. في الواقع، ليس بالضرورة أن تكون عنصرياً على الإطلاق لتتأثر به. التحيز الضمني هو نوع من العدسات المشوهة التي هي نتاج كل من بنية دماغنا والتفاوتات في مجتمعنا».
يقدّم لنا الكتاب العديد من المواضيع والطرق التي يؤثر بها التحيز العنصري على جميع أنواع القرارات التي نتخذها خلال مسيرة حياتنا الطبيعية، من المنازل التي نشتريها، والأشخاص الذين نوظفهم، إلى الطريقة التي نتعامل بها مع جيراننا. «لا يقتصر التحيز على مجال واحد من مجالات الحياة. ولا يقتصر على مهنة واحدة أو عرق واحد أو بلد واحد. كما أنه لا يقتصر على شكل نمطي واحد»، كما تقول الكاتبة.
ذكريات وتجارب شخصية
من منظور علمي استقصائي قائم على التجربة الشخصية، تقدم جينيفر إيبرهاردت رؤية منطقية إلى آثار التحيز العرقي الضمني، تتراوح بين الطفيفة إلى الدرامية قائلة: «يمكن أن يؤدي التحيز العرقي إلى تفاوتات في التعليم والعمالة والسكن ونظام العدالة الجنائية، ومن ثم تفاقم أوجه التفاوت هذه بحد ذاتها من المشكلة».
في كتابها هذا، تكشف إيبرهاردت أنه «حتى عندما لا نكون على دراية بالتحيز، ونرغب حقاً في معاملة جميع الناس على قدم المساواة، فإن الصور النمطية المتأصلة يمكن أن تصيب إدراكنا البصري واهتمامنا وذاكرتنا وسلوكنا».
هذا العمل المكثف لإيبرهاردت كمستشارة لتطبيق القانون، وطبيبة نفسية يتصدر هذا الحقل الجديد، وهي باحثة تتمتع بقدرة غير مسبوقة للوصول إلى البيانات، بما فيها لقطات من كاميرات ضباط الشرطة التي يتم ارتداؤها على الجسم. يمكننا القول إن كل جانب من كتابها يقدم معلومات، ويجعله أكثر من مجرد بحث في علم النفس الاجتماعي.
لا تقتصر أبحاثها على النتائج المختبرية فحسب، وإنما على ما يحدث في أقسام الشرطة وقاعات المحاكم والسجون وقاعات اجتماعات مجالس الإدارة، وفي الشارع أيضاً.
تتداخل المقابلات مع ذكريات وقصص من حياة وعائلة إيبرهاردت. وهي تقدم مقترحات عملية للإصلاح، وتقوم بنقل القارئ خلف الكواليس إلى إدارات الشرطة التي تنفذ اقتراحاتها. وهي برفضها تجاهل العواقب المأساوية للتحيز، تتناول كيف أن التحيز العرقي ليس خطأ ولا يقتصر الأمر على قلة من العناصر الفاسدين في أقسام الشرطة أو المؤسسات الأخرى. وتعلق على ذلك: «يمكننا أن نرى أدلة على التحيز على جميع مستويات المجتمع الأمريكي في وسائل الإعلام والتعليم والممارسات التجارية».
التحيّز كمشكلة إنسانية
تذكرنا إيبرهاردت بأن التحيز العرقي يشكل مشكلة إنسانية، يمكن أن يلعب جميع الناس دوراً في حلها، وحتى أولئك الذين يصممون منصات الأعمال ووسائل التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص.
يتأثر كتاب إيبرهاردت بحياتها الخاصة وتؤكد القصص الشخصية التي تشاركها ضرورة التغيير. وقد ساعدت إيبرهاردت الشركات التي تشمل «ايربنب» و نكست دور«على معالجة التحيز في ممارساتها التجارية، كما قادت مبادرات مكافحة التحيز لأقسام الشرطة في جميع أنحاء البلاد.
الآن، كشخص بالغ، تقول إيبرهاردت، أنها أدركت معاناتها من ظاهرة تُعرف باسم»التأثير عبر العرق«أو»تأثير العرق الآخر«في ضاحية بيتش وود ذات الأغلبية البيضاء.»هذا هو ميل الناس في جميع الأعراق إلى أنه من الأفضل إدراك وجوهٍ من عرقهم الخاص على وجوه أعراقٍ أخرى، ويمكن رؤية هذا التأثير في جزء الدماغ الذي يتضمن إدراك الوجوه، ويطلق عليه العلماء منطقة الوجه المغزلية«، بحسب الكاتبة.
كانت هذه الظاهرة مربكة لإيبرهاردت عندما كانت طفلة، وتقول إنها تؤدي إلى سلوك عنصري ضار. وأوضحت ب»أنها عملياً مثل مقدمة إلى التحيز، لأنه إذا كان عقلك لا يعالج هذه الوجوه، فلن تكون قادراً على تمييز الوجوه. أنت تفكر في هذه الوجوه من حيث فئتها.
بمجرد أن تصنف وجهاً في فئة، يمكن أن يؤدي ذلك أيضاً إلى إثارة معتقداتك ومشاعرك تجاه الأشخاص الموجودين في هذه الفئة. وبعد ذلك يمكن أن يقودك ذلك إلى معاملتهم بطريقة مختلفة.«
تقول إيبرهاردت في كتابها إنه لا يمكن التخلص من هذا التحيز المتأصل في أدمغتنا. بناءً على خبرتها الطويلة في دراسة العرق والتفاعلات اليومية، تشير إلى أنه للتغلب على تحيزاتنا العرقية يجب الاعتراف بها. ويبدأ التكيف العرقي في أدمغتنا من الشباب، ووفقاً لها، يبدأ الأطفال وهم في عمر الثلاثة أشهر بإظهار تفضيلهم لوجوه عرقهم.
تروي إيبرهاردت قصة ابنها ذي الخمس سنوات عندما يشير فجأة إلى الرجل الأسود الآخر الوحيد على متن الطائرة، ويخبر والدته بأن الرجل»يشبه والده«. ثم ينظر ابنها إلى الأعلى ليقول:»آمل ألا يسرق الطائرة«وتقول:»إننا نعيش في ظل هذه الطبقية العرقية الشديدة لدرجة أنه حتى الطفل البالغ من العمر خمس سنوات يمكنه أن يخبرنا بما يفترض أن يحدث بعد ذلك«.
ومع ذلك، تشير إلى أن الأطفال الذين يترعرعون في منازل متعددة الأعراق لا يظهرون الكثير من الأدلة على التأثير عبر العرق. بالنسبة لها، يدل ذلك على أن»البيئة المحيطة تؤثر في تكيفنا العرقي«.
وتقول ليس هذا فحسب، بل أيضاً الوضع أو البيئة المحيطة بنا يمكن أن يؤثر عندما تدخل تحيزاتنا العرقية قيد التطبيق، وأن مفتاح التغلب على التحيزات العرقية قد يكمن في تجنب المواقف التي تثيرها. كما تعتقد بأهمية تجريد التحيز العرقي عن التداخلات الأخلاقية، وهذه من النقاط المهمة في هذا الكتاب.
إدارة التحيّز
بشأن فعالية التدرّب على الانحياز العرقي، تقول الكاتبة:»لدينا هذه التدريبات التي تجري في جميع أنحاء البلاد… والكثير منها، تُجرى بحسن نية، لكن لم يتم تقييمها بدقة، لذلك نحن لا نعرف سوى ما نستطيع معرفته، ومن ثم علاوة على ذلك، يمكن أن تختلف التدريبات الموجودة هناك قليلاً بالمحتوى وكيفية تنظيمها وما إلى ذلك. لذا، لا نعرف كما ينبغي لنا. ولكن هناك بعض الأدلة بأن التدريبات التي لا تركز فقط على ما هو التحيز، بل أيضاً على كيفية إدارة التحيز، يمكن أن تعمل بشكل أفضل من غيرها«.
وعن كيفية إدارة التحيز، تقول إيبرهاردت: لا يعّد التحيز سمة بل حالة. لذا، فإن بعض الحالات تجعلنا أكثر عرضة للتحيز من غيرها. وتتحدث عن الحالات التي من المرجح أن يظهر فيها التحيز وكيفية تجنب هذه الحالات، أو التباطؤ فيها وتفادي ردود الأفعال السلبية في هذه التحيزات.
وتقدم مثالاً في دراسة وجدتها شخصياً أكثر إقناعاً. فخلال الدراسة عرضت فيها الناس لوجوهٍ على نحوٍ مموه، أي مجموعة من الوجوه السوداء ومجموعة من الوجوه البيضاء. ثم عرضت صورة ضبابية لكائن، وجعلها تتوضح بهدوء. بعضها مرتبط بالجريمة، مثل البنادق أو السكاكين، والبعض الآخر عبارة عن كاميرات ودبابيس. و»كانت النتيجة أن التعرض للوجوه السوداء لأجزاء من الثانية دفع الناس إلى التقاط البنادق والسكاكين بسرعة. وأن تأثير تداخل السواد بالجريمة على ما نراه بحرفية العبارة كان واضحاً تماماً«، بحسب المؤلفة.
وتضيف:»على سبيل المثال فيما يتعلق بإدارة التحيز، قرّر قسم شرطة أوكلاند تغيير سياسات المطاردة على الأقدام، فبدلاً من مطاردة شخص ما في فناءٍ خلفيٍ مظلم أو في مكان لا يمكنك فيه رؤية الموضع الذي كان فيه وأنت تعلم أنه كان من الصعب الخروج منه، لا بدّ من الرجوع للخلف وإعداد طوق أمني مع طلب الإسناد بدلاً من ذلك. إذاً هذا هو الموقف الصحيح، ويمكن السيطرة عليه بمنح الضباط مسافة أكبر ومنحهم المزيد من الوقت والخيارات. والسماح لهم بالعمل وفق استراتيجية مناسبة«. وتقول إيبرهاردت أن»هذا التغيير البسيط في هذه السياسة قد خفض حالات إطلاق النار من قبل الضباط من (8 – 9 حالات في السنة) إلى (8 حالات في 5 سنوات) بعد تطبيق هذه السياسة الجديدة في المطاردة على الأقدام بقسم شرطة أوكلاند«.
محاربة الانقسامات العرقية
وعن إمكانية القضاء على التحيز تماماً، تعبّر إبرهاردت عن محدودية قدرتنا على التخلص من التحيز، قائلةً بأن»التحيز ليس شيئاً نعالجه، بل شيئاً نديره. وأنه لا توجد لحظة سحرية حيث ينتهي التحيز عندها تماماً، ولن نضطر أبداً إلى التعامل معه مرة أخرى«.
تعتقد إيبرهاردت أن»عمى الألوان«ليس حلاً للتحيز العرقي وأن كل شيء منذ الولادة يؤكد الانقسامات العرقية، كالمنزل والمدرسة ومكان العمل وكمية المال المكتسب، إلى الأمراض التي نتعرض لها، الموت، والحياة بكل ألوانها. وأن العرق لا يؤثر في كيفية رؤيتنا للأفراد فحسب، بل يؤثر في كيفية رؤيتنا للأماكن والأشياء والمؤسسات والسياسات. أي الرؤية الفعلية للعالم بكل ألوانه. ومن المفارقات أن محاولة الإصابة بعمى الألوان يمكن أن تؤدي إلى مزيد من عدم المساواة العرقية، وليس العكس.
وفي خاتمة كتابها، كتبت إيبرهاردت عن كيف أن تغيير السياسة في إدارة شرطة أوكلاند أعطى الضباط مزيداً من الوقت، و»مساحة أكبر لاتخاذ القرارات المنطقية والواعية بدلاً من تلك المتهورة والرجعية، وخفض كل من معدل حالات إطلاق النار من قبل الضباط، وإصابات الضباط».