يا مرورنا العزيز أين الإغراء بالثواب
هناك في عالم القضاء ما يعرف بـ(روح القانون) وهناك ما يسمى بـ(نص القانون)، والفرق بينهما أن يتم إسباغ الروح الإنسانية على نص القانون فبدلا من تطبيقه تطبيقا حرفيا، وبلا مراعاة للمشاعر الإنسانية، يكون روح القانون عبارة عن تنازل جزئي أو مؤقت عن تطبيق (نص القانون) مراعاة لظروف متعددة وبما لا يضر بسير الحياة العملية.
إضافة إلى أن أي جهة أو منظمة تعمل على سن القوانين التي تحفظ حقوقها وسير أعمالها، تقوم بوضع ما يعرف بـ(دليل الجزاءات)، ودائما ما يرافقها (المكافآت)، وهو ما يشبه تطبيقنا في منازلنا ومع أطفالنا لقانون (العقاب والثواب)، فيعرف هذا الطفل أنه ما دام محترما للقانون العام لهذا المنزل، بالابتعاد عن الإزعاج والتكسير والتخريب فإنه بعيد عن العقوبات، ولكن لو قام بأعمال منزلية كترتيب سريره بدلا عن والدته أو الخادمة، فإن هناك ما يسمى بـ (الثواب)، وهو إغراء بما يبقيه بنفسه محافظا على النظام كركوب الدراجة والسماح له باللعب وغيرهما.
ما ذكر أعلاه قد يكون شبه منعدم في تطبيق المخالفات المرورية على قائدي المركبات رغم أن هناك ما يعرف بـ (الاعتراض على المخالفات المرورية) ولكن الاعتراض محدود جدا، وهو لا يخص إلا الأخطاء البشرية أو الإلكترونية في إضافة المخالفات بشكل خاطئ على من لم يرتكبها، وهذا تصحيح مفروغ منه وليس مكافأة أو تقديرا للظروف.
ولكن في حال كان هناك طالب جامعي على سبيل المثال خرج من جامعته، وليس لديه دخل شهري سوى مكافأته الجامعية، والتي «يا دوب» تغطي مصاريف الأكل والشرب ونظافة الملبس «وليس اللبس» نفسه، ومع خروجه في أحد الأيام تعرض بسبب الشمس أو ضغوطات الدراسة أو غيرها لعدم تركيزه على الوقوف قبل الانعطاف يمينا عند الإشارة، ووصلت إليه رسالة بمبلغ 3 آلاف ريال، وهو حينها يتمنى توفر 30 ريالا للغداء، فهل من المتوقع أنه سيبقى ملتزما بقوانين المرور مرة أخرى، أم أنه سيقول ما دام أنها «خربت خليها تخرب مرة وحدة»، ويجلس كل يوم يرى فلاشات ساهر، وهو يقول في نفسه «شوي خلني أكرر المخالفة عشان الابتسامة تطلع حلوة»، لأنه يثق بأنه لم ولن «وكي ولام التعليل» هو و «اللي خلفوه» بأنهم غير قادرين على توفير مبلغ 3 آلاف ريال ببساطة، بينما هناك شاب غيره لا تتعدى الـ 3 آلاف ريال بالنسبة له كونها قيمة «عزومة الشلة» في ليلة واحدة، وهذا سبب تسجيل مخالفات بعشرات الآلاف إن لم تتخط حاجز الـ 100 ألف على الشباب من دون سن الثلاثين، دون أي دراسة أو تحليل للمسببات، أو وضع خطط لحلها والتقليل من تكرارها مستقبلا.
أليس من المفترض أن يقوم هذا الشاب الجامعي أو مستفيد الضمان هذا أو ضعيف الدخل أو العاطل عن العمل لمدة طويلة برفع مستندات تثبت حالته المادية، ويرفق في خانات الطلب عدد المخالفات المرتكبة سابقا من هذا النوع، وفي حال كانت هذه المرة الأولى يعفى من قيمة المخالفة، أو يعطى فرصة في حال عدم تكرارها خلال الأشهر الثلاثة القادمة بحذفها تلقائيا، وهنا يشعر السائق بأن سلامته هي ما يهم المرور وليس لسحب ما تبقى في جيبه، وإن كانت تلك المخالفات وقيمتها المرتفعة هي لـ (التخويف بالعقاب) فيكون السؤال (يا مرورنا العزيز: أين الإغراء بالثواب).
Next Page >