“الإنسانية” وتطور الكتابة التاريخية
شهد عصر النهضة تغييرات جذرية في طرق التفكير والكتابة عن الماضي، لقد بدأت الاتجاهات الجديدة بالظهور في إيطاليا في القرن الخامس عشر كجزء من البرنامج الثقافي الأوسع للإنسانية بما سينعكس على النظرة لتخصص التاريخ لاحقاً، لقد اعتبر الإنسانيون التاريخ أحد التخصصات المركزية داخل الدراسات الإنسانية (studia humanitatis). وعلى هذا النحو، أخذ التاريخ مكانه إلى جانب التخصصات الإنسانية الأساسية الأخرى، ومثلت هذه الخطوة تعزيزا كبيرا لوضع التاريخ، فبدلاً من النظر إليه على أنه يقع على الأطراف وبعيدا عن المركزية كما كانت تراه ثقافة القرون الوسطى، أصبح التاريخ الآن يحتل مركز الصدارة. واكتسبت قراءة التاريخ وكتابته بذلك هيبة جديدة، كما اتخذت الإنسانية توجها مختلفا فيما يتعلق بممارسة القرون الوسطى السائدة، لم تعد تابعة للاهوت المسيحي، كما كان الحال منذ أواخر العصور القديمة، وسعت الكتابة التاريخية في عصر النهضة إلى إعادة الاتصال مع التقليد اليوناني الروماني للتأليف السياسي والعسكري. وهذا التوجه يعني دراسة متأنية للمؤرخين القدماء، فضلا عن اعتماد فكرهم وأساليبهم.