الوحدة العربية السياحية
علي قباجه
«لعل الخير يكمن في الشر»، فجائحة «كورونا» المفاجئة، شكلت صدمة للنظام العالمي، بعدما أظهرت هشاشته في مواجهة التحديات، وهذا ليس بالأمر السيئ، فمعرفة الشيء أولى من الجهل به، إذ إن الأمر دفع العديد من الدول والمنظمات إلى تغيير سياساتها بما يتواءم مع المرحلة المقبلة، التي بالتأكيد لن تكون يسيرة، فآثار الفيروس امتدت لتشمل كل قطاع تقريباً، وخاصة السياحي الذي كُبد خسائر بمئات المليارات، وأضر بدول كان اعتماد ميزانيتها بشكل أساسي على المداخيل السياحية.
مؤخراً، وُضعت الحكومات العربية على المحك في التعامل مع الجائحة، فمنها من تعامل باحترافية، لتجاوز الأزمة، وأخرى وقعت في وادٍ سحيق من التخبط والتراجع، لذا فقد ارتفعت أصوات داعية إلى تفعيل السياحة البينية بين العرب، وتعزيز الترابط التجاري، للحد من آثار الفيروس.
مؤخراً، أوصى المؤتمر الافتراضي الثاني للمركز العربي للإعلام السياحي، بإلغاء تأشيرات الدخول بين الدول العربية، وخفض الضرائب على المسافرين، ووضع بروتوكولات موحدة للوجهات السياحية العربية، وتشجيع السياحة الداخلية، وزيادة حملات التسويق السياحي العربي المشتركة، لدعم تعافي قطاع السفر والسياحة عربياً، وإعادة النشاط السياحي. هذه الدعوة تعد امتداداً لدعوات عربية سابقة لم تلق آذاناً صاغية، بل إنها جمدت وتم تجاهلها، واستعيض عنها بخلافات بينية، دمرت دولاً واقتصادات، وخلقت مشاحنات آثارها ستمتد لعقود مقبلة، فبنود الجامعة العربية لحظة تأسيسها كانت تطالب بتوطيد أواصر التعاون بين الدول الأعضاء، وفي مجالات عدة، منها: الثقافة، والصحّة، والشؤون الاجتماعية، والاقتصاد، والمواصلات، ومنع استخدام العنف لإنهاء الخلافات بين الدول الأعضاء، واحترام السيادة، إضافة إلى توجيه الجهود نحو تأمين مستقبل الدُول العربية، وكلّ ما فيه صلاح أحوالها.
لكن لم يكتب النجاح لكثير من بنود الجامعة، وشكلت نموذجاً محبطاً على أكثر من صعيد، ولإعادة تفعيلها لا بد من إرادة حقيقية لأعضائها، لإعادتها إلى الواجهة، وبناء جسور من التعاون، وتشكيل لجان مشتركة تقف على كل مشكلات الوطن العربي، وهذا شيء ليس بالمستحيل، فثمة نماذج عربية حققت النجاح، كمجلس التعاون الخليجي، الذي وضع خططاً ونفذها واقعاً معيشاً، إذ حققت دوله نقلات اقتصادية نوعية، بينما السياحة شهدت نمواً كبيراً، وازدادت اللحمة والتعاون على كل الصعد والمجالات، وأضحى الخليج جسداً واحداً، يقاوم أي عثرات، لترتد له عافيته بفترات قياسية.
الوحدة العربية هي التجسيد العملي لرابطة ثقافية حضارية عقدية جمعت العرب في الماضي، وباتت شرطاً لتجاوز مشكلاتهم في الحاضر، وضرورة لنهضتهم في المستقبل. العرب لديهم عوامل الوحدة، فإذا عملوا على تغذيتها، فهي من الممكن أن تحقق لهم الكثير مع ما يملكونه من طاقات وثروات وعقول، للتغلب على كل المعوقات، وأهمها جائحة «كوفيد-19»، فالاتحاد الأوروبي وعلى الرغم من تعدده الإثني وحروبه السابقة، فإنه استطاع تجاوز كل عقبة، وفتح حدوده، لإدراكه أهمية تعزيز الاقتصاد البيني، لذا فإن الأنظمة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالالتفات إلى النداءات الداعية إلى إلغاء الحدود، تمهيداً لتعاون أكبر لاحقاً.. فهل تستجيب؟
aliqabajah@gmail.com